الجمعة، 4 ديسمبر 2015

قنبلة ثقافية من العيار الثقيل يفجرها الأب ثيودورس بعنوان "لسنا ﻋﺮﺑﺎً "
ﻻ ﻟﺴﻨﺎ ﻋﺮﺑﺎً . ﻳﻜﻔﻲ ﻛﺬﺑﺎ ﻭﺗﺰﻭﻳﺮﺍً ﻭﻣﻤﺎﻟﻘﺔ ﻭﻋﺠﺰﺍ ﻭﺧﻮﻓﺎً . ﻟﺴﻨﺎ ﻋﺮﺑﺎ ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﻤﺪ .
ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻟﻴﺲ ﻋﺮﺑﻲ، ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ ﻟﻴﺲ ﻋﺮﺑﻲ، ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ ﻟﻴﺲ ﻋﺮﺑﻲ، ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﻟﻴﺲ ﻋﺮﺑﻲ ﻭﻻ ﺍﻷﺭﺩﻧﻲ ﻭﻻ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ .
ﻧﺤﻦ ﻣﺸﺮﻗﻴﻮﻥ ، ﻧﺤﻦ ﺭﻭﻣﻴﻮﻥ ﻭﺳﺮﻳﺎﻥ ﻭﻛﻠﺪﺍﻥ ﻭﺃﺷﻮﺭ ﻭﺃﻗﺒﺎﻁ، ﻧﺤﻦ ﺃﺣﻔﺎﺩ ﺇِﺑﻼ ﻭﺍﻟﺮﺍﻓﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻋﻨﺔ، ﻧﺤﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﺸﺮﻕ ﻭﺳﻜﺎﻧﻪ ﺍﻷﺻﻠﻴﻴﻦ . ﻧﺤﻦ ﻟﺴﻨﺎ ﻋﺮﺑﺎً، ﻳﻜﻔﻲ ﺍﻏﺘﺼﺎﺑﺎً ﻭﺗﺰﻭﻳﺮﺍً ﻟﻠﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﻟﻠﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺎ ﻭﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻟﻠﻮﺍﻗﻊ .
ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻫﻢ ﺍﻟﻌﺮﺏ - ﻭ ﻟﻸﻣﺎﻧﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻧﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﺛﻤﺔ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺻﺎﺭﺕ ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﻋﺮﻭﺑﺔ ﺍﻷﻗﻠﻴﺔ ﻻ ﺗﻌﻤَّﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻛﺜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺸﺮﻗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻳﻮﻣﺎ ﻋﺮﺑﻴﺔ .
ﻧﺤﻦ ﻭﺇﻥ ﺗﻜﻠﻤﻨﺎ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻬﺬﺍ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻨﺎ ﻋﺮﺏ . ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺍﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﻟﻴﺲ ﺇﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺎً، ﻭﺍﻟﺒﺮﺍﺯﻳﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺍﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﺑﺮﺗﻐﺎﻟﻴﺎً ﻭﺍﻷﺭﺟﻨﺘﻴﻨﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺍﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﺇﺳﺒﺎﻧﻴﺎً ، ﻫﺬﻩ ﻟﻐﺎﺕ ﺍﻹﺣﺘﻼﻝ .
ﻧﺤﻦ ﻭﺇﻥ ﻧﺘﻜﻠﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻠﺴﻨﺎ ﻋﺮﺑﺎً ﻭﻻ ﻧﺸﺒﻪ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺑﺸﻲﺀ، ﻻ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ ﻭﻻ ﺑﺎﻟﺬﻭﻕ ﻭﻻ ﺑﺎﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ؛ ﻫﻢ ﺃﻫﻞ ﺑﺎﺩﻳﺔ ﺃﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﺄﻫﻞ ﺣﻀﺎﺭﺓ . ﻫﻢ ﺃﺭﺿﻬﻢ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﺃﻣﺎ ﺃﺭﺿﻨﺎ ﻓﺄﺭﺽ ﺍﻟﻠﺒﻦ ﻭﺍﻟﻌﺴﻞ ﻭﺍﻟﺘﻴﻦ ﻭﺍﻟﻠﻮﺯ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﺡ ﻭﺍﻟﻌﻨﺐ . ﺃﺟﺪﺍﺩﻧﺎ ﺯﺭﻋﻮﺍ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺗﺄﺻﻠﻮﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺼﺎﺭﻭﺍ " ﺃﻭﻻﺩ ﺃﺻﻞ " ﺃﻣﺎ ﺃﻧﺘﻢ ﻓﺮﺣّﻞ ﻟﻢ ﺗﺰﺭﻋﻮﺍ ﻭﻟﻢ ﺗﺘﺄﺻﻠﻮﺍ . ﺁﺑﺎﺅﻧﺎ ﺯﺭﻋﻮﺍ ﺍﻟﻜﺮﻣﺔ ﻭﺻﻨﻌﻮﺍ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﻭﺃﻭﺟﺪﻭﺍ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻓﻔﺮﺣﻮﺍ ﻭﺭﻗﺼﻮﺍ، ﺑﻨﻮﺍ ﺣﻀﺎﺭﺍﺕ ﻭﻛﺘﺒﻮﺍ ﻛﺘﺒﺎً ، ﺃﺟﺪﺍﺩﻛﻢ ﺷﺮﺑﻮﺍ ﺍﻟﺪﻡ ﻭﻻ ﻳﺰﺍﻟﻮﻥ، ﺭﻗﺼﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺟﺜﺚ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻭﺫﺑﺤﻮﺍ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﻠﻔﺮﺡ ﻭﻻ ﻳﺰﺍﻟﻮﻥ . ﺩﻣﺮﻭﺍ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﻭﺃﺣﺮﻗﻮﺍ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻭﻻ ﻳﺰﺍﻟﻮﻥ . ﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻧﺸﺒﻬﻜﻢ ﻭﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻧﺸﺒﻬﻜﻢ . ﺗﺎﺭﻳﺨﻨﺎ ﻣﻼﺣﻢ ﻭﻋﻠﻢ ﻭﻣﺠﺪ، ﺗﺎﺭﻳﺨﻜﻢ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻭﺣﺎﺿﺮﻛﻢ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻭﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻜﻢ ﺧﻴﺎﻧﺔ . ﻻ ﻧﺸﺒﻬﻜﻢ ﺑﺸﻲﺀ ، ﻻ ﺑﺘﺎﺭﻳﺨﻨﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻭﻻ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻭﻻ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ . ﻣﺴﻠﻤﻮ ﺑﻼﺩﻱ ﻳﺨﺘﻠﻔﻮﻥ ﻋﻦ ﻣﺴﻠﻤﻲ ﺑﻼﺩﻛﻢ، ﻣﺴﻠﻤﻮ ﺑﻼﺩﻱ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﻮﻥ ﻣﺤﺒﻮﻥ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﻭﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺃﻣﺎ ﺃﻧﺘﻢ ﻓﺄﻧﺘﺠﺘﻢ ﺷﻌﻮﺑﺎً ﻣﻤﻠﻮﺀﺓ ﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﻋﻘﺪﺍً ﻭﺃﻣﺮﺍﺿﺎً ﻭﻣﺤﺒﺔ ﻟﻠﻤﻮﺕ . ﺗﺎﺭﻳﺨﻨﺎ ﺣﻀﺎﺭﺓ ﻭﻋﻠﻢ ﻭﺍﺩﺏ ﻭﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ﻭﺷﻌﺮ، ﺗﺎﺭﻳﺨﻜﻢ ﺩﻡ ﻭﻏﺰﻭﺍﺕ ﻭﺃﺣﻘﺎﺩ ﻭﺷﻬﻮﺍﺕ .
ﻣﻦ ﺻﺎﺭ ﻣﺴﻠﻤﺎً ﻓﻲ ﺑﻼﺩﻱ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻐﺰﻭ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻇﻞ ﺑﻨﺒﻠﻪ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻭﺍﻷﻋﺮﺍﻑ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺳﻜﻦ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺻﺎﺭ ﻣﺜﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﺃﻛﻠﻨﺎ ﺳﻮﻳﺔ، ﺭﻗﺼﻨﺎ ﺳﻮﻳﺔ، ﺿﺤﻜﻨﺎ ﺳﻮﻳﺔ ﻭﺑﻜﻴﻨﺎ ﺳﻮﻳﺔ ﺃﻣﺎ ﺃﻧﺘﻢ ﻓﻠﻢ ﺗﺘﻐﻴﺮﻭﺍ . ﺃﻟﻒ ﻭﺃﺭﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎﻡ ﻭﻟﻢ ﺗﺘﻐﻴﺮﻭﺍ ﻭﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﺪﺭﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮﻧﺎ ﻷﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﺃﻧﺘﻢ ﺗﺪﻣﺮﻭﻥ ﺑﻼﺩﻧﺎ ﻭﺗﺮﺍﺛﻨﺎ ﻭﺗﻌﺎﻳﺸﻨﺎ ﻭﺇﻧﺴﺎﻧﻨﺎ . ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﻤﺸﺮﻗﻲ ﻛﻔﺮ ﺑﻜﻢ ﻭﻗﺮﻑ ﻣﻨﻜﻢ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﺍﻟﻤﺸﺮﻗﻲ .
ﻧﺤﻦ ﻣﻦ ﻋﻠّﻤﻜﻢ ﻭﻣﻦ ﺑﻨﻰ ﻣﺪﻧﻜﻢ ﻭﻣﺴﺘﺸﻔﻴﺎﺗﻬﻢ ﻭﺟﺎﻣﻌﺎﺗﻜﻢ ﻭﻣﻦ ﺣﻔﻆ ﻟﻐﺘﻜﻢ . ﻟﻴﺘﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻔﻌﻞ، ﻟﻴﺘﻨﺎ ﺗﺮﻛﻨﺎﻛﻢ ﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻗﺪﺭﻛﻢ ﺍﻷﺷﺪ ﺳﻮﺍﺩﺍً ﻣﻦ ﻟﻮﻥ ﻧﻔﻄﻜﻢ .
ﻛﻨﺎ ﺟﺴﺮﺍً ﺑﻴﻨﻜﻢ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻓﺼﺮﺗﻢ ﺃﺩﺍﺓ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻟﺘﺪﻣﻴﺮ ﻣﺸﺮﻗﻴﺘﻨﺎ . ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭﻛﻢ ﻋﺮﻓﻨﺎﻛﻢ، ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻤﺠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺬﻝ ﻭﺍﻹﻧﻜﺴﺎﺭﺍﺕ . ﺫﻛﺮﻭﻧﺎ ﺑﺎﻧﺘﺼﺎﺭ ﻭﺍﺣﺪ؟ ﺃﻭ ﺑﻤﺠﺪ ﻭﺍﺣﺪ؟ ﺍﻧﺘﺼﺎﺭﺍﺗﻜﻢ ﻫﻲ ﺇﻓﻨﺎﺀ ﺑﻌﻀﻜﻢ ﺍﻟﺒﻌﺾ،ﺃﻷﺥ ﻷﺧﻴﻪ ﻭﺍﻹﺑﻦ ﻷﺑﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻧﺎﻗﺔ ﺃﻭ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺃﻭ ﺣﻤﺎﺭ . ﺍﻣﺘﻄﺎﻛﻢ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﻤﻮﻧﻪ ﻛﺎﻓﺮﺍً ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺗﻠﺤﺴﻮﻥ ﺃﻗﺪﺍﻣﻪ ﻟﻴﺤﻔﻆ ﻋﺮﻭﺷﻜﻢ ﻟﺘُﻤﻌﻨﻮﺍ ﻓﻲ ﺳﻠﺐ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻸﺗﻢ ﺑﻬﺎ ﺑﻨﻮﻛﻪ .
ﻧﺤﻦ ﺍﻛﺘﻔﻴﻨﺎ ﻭﻟﻦ ﻧﻐﻄﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﺰﻟﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻴﻮﻡ . ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺮﻋﺎﺓ ﻭﺍﻟﺴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﺮﺑﻮﻥ ﻭﺍﻟﻌﺎﺷﻘﻮﻥ ﻟﻠﻌﺮﻭﺑﺔ ﺇﻥ ﺃﺭﺩﺗﻢ ﺃﻥ ﺗﺘﻜﻠﻤﻮﺍ ﻭﺗﺘﻐﻨﻮﺍ ﺑﻬﺎ ﻓﺘﻜﻠﻤﻮﺍ ﻋﻦ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﻭﻋﻦ ﺟﺒﻨﻜﻢ ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻦ ﺷﻌﻮﺏ ﺫُﺑﺤﺖ ﻭﺍﻏﺘﺼﺒﺖ ﻭﺍﺧﺘُﻄﻔﺖ ﻭﺩُﻣّﺮ ﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ ﻭﺣﺎﺿﺮﻫﺎ ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻌﺮﻭﺑﺔ .
ﺍﻟﻤﺠﺪ ﻟﻠﻤﺸﺮﻕ ﻭﺭﺣﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻧﺰﺍﺭ ﻗﺒﺎﻧﻲ .
الاب ثيودورس داود ،راعي ابرشية القديسة مريم للروم الارثودكس ،بالتيمور - ميريلاند

رسالة الى "رغد" 27/11/2015
بقلم: ا لعقيد المتقاعد رياض ال شليبة
أرسل العقيد المتقاعد رياض آل شليبة والمقيم في ولاية ميشكان الأمريكية رسالة إلى رغد إبنة صدام حسين عنونها الى: رغد ابنة الرئيس.. هكذا نشأ الوالد الحنون
هذه هي نشأة والدك الحنون والرؤؤف والطيب اليتيم والتي هي جزء من الشعور بالنقص والعار من السنوات الاولى لحياته، ان هذه الحقبة الزمنية من نشأة والدك ومنذ ولادته الى يومنا هذا وعبر مراحل حياته وما فيها من ذكريات لم يتح لك التعرف عليها منذ ولادتك وحتى كتابة هذه السطور مما جعلك تعتقدين انك من سلالة الانبياء والملوك والامراء ولتقولي ماتقولي عن العراقين وتصفينهم بالغدر والخيانة وعن الجندي العراقي بانه هرب ولم يقاتل متناسية بان والدك واخوتك هم اول من هرب من القصر وبعدها هربوا من بغداد ولو كان لهم ماوى خارج العراق لهربوا له، ولو تعلمين كم اعدم من الجنود العراقين في قادسية والدك المشؤمة بمجرد ان يترك الموضع الدفاعي ولو لعدة امتار وتعتبر خيانة كبرى. كان الاجدر بابيك واخوتك وعشيرتك اذا كان لهم ذره من الشرف العربي او الوطني ان يدافعا عن القصر الجمهوري وعن بغداد ولا يخرجوا مذعورين هاربين متخفين في البيوت وكانو عرضة للبيع ليحصل بهم ربيبهم الزيدان (ثلاثون مليون دولار)!.
ولنعود لنشاة والدك الحنون... ان اكثر العراقين وخاصه مثلث تكريت الرمادي يعرفون ان حسين المجيد الذي ينتمي الى عشيرة البوناصر ليس هو الاب الشرعي والحقيقي للوالد صدام ولا يشك اثنان وخاصة من ابناء تكريت والمترددين عليهم من الرمادي والمناطق المجاورة من ان هذة القصة حقيقية وقد قصاها لي احد اصدقائي سنة 1978 عندما كنا نعمل سويا وهو الاخ خضير مخلف الجوزة من ابناء الرمادي حيث كان والده يشتغل بتجارة الزيوت والتمور بين الرمادي وتكريت في زمن مولد صدام وبعدها، وقد حدثه والده بقصة مولد صدام وهو لا يقصها الا لمن يثق بهم ثقه مطلقة وانا اول مرة اذكر اسم هذا الشخص لان الخطر لم يعد موجودا بعد زوال النظام وتنفس الحرية. ان اول العقد النفسية في شخصية والدك وكثير ما يعاني منها هذه القصة المعروفه عندما كانت والدة ابوك الحنون تعمل خادمة في بيت احد التجار ومن اصدقاء جدك خيرالله طلفاح. وحدث لها من هذا التاجر ماحدث ويقال انه يهودي فزوجوها من حسين المجيد ذالك الرجل المسكين المهبول وعندما وجد مالا يريده ولا يرضاه اخذ يتمتم ويهمهم وشاع الخبر ولزم التخلص من المشكلة فقتل المسكين حسين المجيد، قتله اخو خيرالله طلفاح ليتخلصوا من هذا العار ومن هذه الفضيحة وبعدها يولد صدام. وتتزوج امه من ابراهيم الحسن (الملقب بالزكلبي) ويعيش اليتيم بكنف الزوج الجديد الذي كان يكرهه كرها شديدا ولقب الزكلبي هذا ماخوذ على ابراهيم الحسن لانه يتقلب على النساء.
وعند بلوغ صدام 12 عام سمع من الصغار في الملعب ان اباه قتله خاله وووو فما كان من هذا الشقي الصغير الا ان يقتل خاله قاتل اباه وبذلك احس الخال الثاني خيرالله طلفاح بهذا الخطر وشقاوة هذا الصبي فاستقدمه الى بغداد وهنا تبدا المرحله الجديدة في حياة اليتيم الشقي وهذه الصوره الحقيقية والواضحة لنشاة ابوك الصبي في بغداد والمعروفة بالاخص لدى سكان منطقة التكارتة في جانب الكرخ حيث تعرف على مجموعة من النشالين واصحاب السوابق وقطاع الطرق ومحترفي مهنة اللواط... ويلتقون في مقهى صغير في منطقة قريبة من سينما بغداد مقابلة لمطعم باجة ابو طوبان وعمل "ِسكِن" مع السائق كريم لعابه في احدى الباصات الخشبية على خط علاوي الحلة- رحمانية والى مدينة الكاظمية وكان هذا السائق من اشهر المنحرفين في بغداد في ذلك الوقت وحكاية ابوك اليتيم في كراجات ومقاهي علاوى الحلة تعد من الحكايات المثيرة في الشارع البغدادي... ان الجانب الكبير من الأحداث والشواهد معروفة في بغداد وفي نطاق واسع وبالاخص في منطقة الكرخ فسكان تلك المنطقة يعرفون ويتذكرون الحادثة الشهيرة للعصابة المعروفة عندما اعتدوا بالهجوم والضرب بالسكاكين على احد المواطنين ليلا وقاموا بتسليبه عندما كان مارا بالقرب من مدخل سينما (ريجنت) القريبة من مدخل جسرالاحرار في منطقة الصالحية في بغداد وسلبوا منه نقوده وساعته وخاتم زواجه وما معه من حوائج ويهرع ناس من المنطقه لنجدته ويخبروا الشرطة في مركز الرحمانية وتقوم الشرطة بالبحث عن الجناة وتتابعهم وتلقي القبض عليهم في مقبرة الشيخ عمر وهم كانو يتعاطون الخمره والمخدرات واشياء اخرى وعندها اصدر قاضي تحقيق الكرخ يوم 3/ 12/1 195 امر القبض والتوقيف بحقهم وثبت من التحقيق والتحري ان التهم الموجهة لهم هي عدة سرقات حدثت في منطقة الرحمانية قرب سينما (زبيده) واعمال سلب ونهب في ساحة المتحف وفي منتزه المطار القديم المجاور للمحطة العالمية. وذكر التقرير والموجودة لدينا نسخة منه نحتفض بها مع امر التوقيف من قاضي التحقيق لمنطقة الكرخ (سوف ياتي نشره في الوقت المناسب) اسماء المتهمين بالتقرير وكما تسلسل فيه:-
1. علي ماما (رئيس العصابة)
2. خالد دونكي.
3. حمودي الأقجم.
4. طالب ابن ماهيه.
5. قيس الجندي.
6. باسم المعيدي.
7. محمد شعيطه (لاعب كرة قدم)
8. صدام حسين التكريتي (وكان اصغرهم)
وحكمت محكمة الكرخ على هذه العصابة باحكام متفاوتة وكان الحكم على صدام بالسجن لمدة سنة لصغر سنه قضاها متنقلا بين سجن الاحداث وموقف مركز شرطة الرحمانية وكان المفوض (صالح) يعمل آمراً لمركز الشرطة وهو شاهد عيان ان كنت تحتاجين له الان ليسرد لك ماحدث مع الوالد وكما راها هو وهو الان شيخ كبير السن ويسكن في بغداد!.
لقد تركت هذه الاحداث المبكرة في حياة الوالد الحنون صدام انعكاسات كبيرة على حياته فيما بعد لانه دخل السجن في مرحلة حرجة من عمره وهو في بداية دور المراهقة، وتعرض للانحلال والسقوط الخلقي (المعذرة ياسيدتي هذه وقائع حقيقية قد تزعجك عندما يقرئنها الاميرات والملكات المضيفات لك). وعندما سمع الخال خيرالله طلفاح بهذه الاحداث انزعج وغضب كثيرا وثارت ثائرته على صدام بعد ان تم تداول الاخبار في المنطقة وبين الاهالي وخاصة التكارتة واخوال الوالد من البو ناصر فاخذوا يطلقون عليه لقب (دوحي)...! وطرده خاله من بغداد ليعود الى امه في تكريت وهنا يكون امام زوج امه ابراهيم الحسن والذي يكرهه كثيرا وبعد فترة قصيرة لم يتحمله زوج الام فطرده من البيت ورجع الى بغداد مره ثانية ليلتحق بالمقهى الصغير الذي كان يعمل به سابقا، وفي هذه الفترة خرج من السجن احد افراد العصابة وهو الرقم (2) طالب ابن ماهيه ليلتقي مع صدام وفي هذه المرة يكون صدام قد بلغ اشده لتكون العلاقه متينه ومتطوره في فن الاجرام والقتل والاغتصاب وحدثت الحادثة الشهيرة اللااخلاقية في مسرح ملهى الفارابي والذي كانت تديره المطربة المشهورة لميعة توفيق حيث تم اغتصاب المدعوة بدرية محمد وعلى مرأى الناس في المسرح وتم ضرب المدعو سلمان توفيق شقيق المطربة لميعة توفيق وقيدوه على احد الكراسي وجردوه من سلاحه وقطعوا خط الهاتف بعدان رفضوا قطع التذاكر للدخول! وقد استطاع احد الحضور الهرب واخبر الشرطة في مركز البتاوين، واصدر قاضي تحقيق البتاوين امر القبض عليهم بعد التعرف على اسمائهم وهوياتهم من صاحبة الملهى وهم كل من:
1. طالب ابن ماهية.
2. قيس الجندي.
3. جبار الكردي.
4. صدام التكريتي.
5. محيي مرهون.
6. باسم المعيدي.
7. محمد فاضل الخشالي (الملقب ابو زكية)
وهنا يحدث تطور في عمل هذه العصابة وتكون علاقة مع المحامي فيصل حبيب الخيزران الذي علق القضية وهناك سر في العلاقة مع الخيزران والعصابة وتتطور العصابة لتصبح ذات نفوذ وسطوة كبيرة وتتطور وتصبح بعد ذلك منظمة ارهابية اسمها (حنين) وينظم اليها مجموعة من الشقاوات والمجرمين ومنهم
1. ناظم كزار لازم (الملقب بساطور المنظمة)
2. والمرعب في عناصرها المجرم الملقب (ابو العورة)
3. جبار محمد الكردي (الملقب جبار كردي واخوانه ستار وفتاح كردي)
4. سعدون شاكر العزاوي
5. وهاب كريم
6. رزاق لفتة
7. فاضل الشكرة
8. محمد فاضل الخشالي
9. محي مرهون، وهو أحد أبرز نجوم المسرحية الاجرامية التي عملتها المخابرات الصدامية في بداية السبعينات وقتلو فيها من يريدون قتلهم من ضحاياهم من المواطنين الابرياء والمعروفة بحوادث (ابو طبر) وكان ادى فيها المحامي فيصل الخيزران دور بارز!.
10. علي رضا باوه
11. صدام التكريتي
ولتعلمي ياسيدتي المصون ان منظمة اباك (حنين) والذي كان يتبجح بانشائها لها تاريخ حافل بحوادث القتل والا جرام والاغتصاب والاغتيال والسرقة والتجاوز على الحرمات وان عناصرها من اصحاب الشذوذ الجنسي وتربية الكراجات، ولو نبين لك اسماء من قتلو على يد عصابة والدك لتفوق بعضهاعلى من قتلوا في الحوادث الاخيرة ومايرافقها من الغدر والبشاعة والارهاب ليس له مثيل حتى يصعب على من لم يشاهدها ان يصدقها.
العقيد رياض ال شليبة
مشيكان الولايات المتحدة الأمريكية
rrhpzx2003@hotmal.com

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015



عبد الجبار عبد الله
عالم فيزياء وفلكي عراقي
عبد الجبار عبد الله عالم فيزياء وفلكي عراقي، وثاني رئيس لـجامعة بغداد (1959 - 1963). ولد عبد الجبار عبد الله في قلعة صالح بمحافظة العمارة جنوب العراق عام 1911 لعائلة عراقية من الطائفة المندائية وتوفى عام 1969 خارج العراق. أنهى دراسته الثانوية في بغداد عام 1930
ثم انتقل الى لبنان فنال شهادة البكالوريوس في العلوم من الجامعة الامريكية في بيروت عام 1934.
ثم سافرإلى والولايات المتحدة الأمريكية لتتمة دراسته الجامعية حيث حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الطبيعية (الفيزياء) من معهد مساتشوست للتكنولوجيا ومعهد مساتشوست للتكنولوجيا يعتبر ارقي جامعة علمية في العالم على الاطلاق . وهو واحد من أربعة طلبة فقط في العالم تتلمذ على يد ألبرت أينشتاين، عند عودته للعراق عين استاذاً ورئيساً لقسم الفيزياء في دار المعلمين العالية في بغداد من سنة 1949 الى 1958. و في خلال هذة الفترة رشح استاذا باحثا في جامعة نيويورك الامريكية بين سنتي 1952 و 1955.
- في عام 1958 عين أميناً عاماً لجامعة بغداد ووكيلاً لرئيس الجامعة. واستمر في هذين المنصبين حتى عام 1959. في عام 1959 عين رئيساً لجامعة بغداد
- عضو في العديد من الجمعيات العلمية في امريكا واوروبا.
- استمر بمنصب رئيس جامعة بغداد حتى قيام انقلاب 8 شباط الدموي حيث اقيل من منصبة.
.- اعتقل وعومل معاملة مهينة عند اعتقاله بعد انقلاب 8 شباط 1963 .
جيث حشر في احدى الزنزانات الصغيرة التي ملئت بالمعتقلين من شتى المستويات وكان الدكتور عبد الجبار يغوص في تفكير عميق وفي بع الاحيان تنهمر الدموع من عينيه، في احد الايام سئل عن سبب انهمار الدموع من عينيه فقال
كان في قسم الفيزياء الذي ادرس به طالب فاشل..حاولت عدة مرات مساعدته لكي يعدل من مستواه ولم يتعدل ومع ذلك عاونته. في يوم 14 رمضان 1963 جاءت مجموعة من الحرس القومي لاعتقالي من بيتي، ميزت منهم طالبي الفاشل بسهولة، وطلبت منهم امهالي عدة دقائق لكي ابدل ملابسي واذهب معهم وانا اعرف انه ليس لدي ما احاسب عليه.
بدلت ملابسي وخرجت لهم، وفجأة ضربني تلميذي (راشدي) قوي افقدني توازني، وكدت اسقط على الارض قائلا ( اطلع دماغ سز ) ولم يكتف تلميذي وانما مد يده بجيب سترتي واخذ مني قلم الحبر الذي اعتز به ولم يفارقني ابداً، هذا القلم الحبر هو من الياقوت الأحمر، هدية من العالم المشهور البرت انشتاين، استخدمه لتوقيع شهادات الدكتوراه فقط، وهذا هو سبب حزني وانهمار دموعي كلما اتذكر هذا الحادث .
كان عبدالجبار عبد الله يجيد إضافة إلى اللغتان العربية والآرامية اللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية له العديد من النظريات العلمية وخصوصاً في مجال الأنواء الجوية حيث أنه ينسب له الفضل الكبير في العديد من الأعمال الخاصة بفرع الأعاصير والزوابع من فيزياء الجو. له العديد من المؤلفات في مجال الفيزياء والعلوم باللغة العربية .
وفي عام 1966 غادر العراق الى الولايات المتحدة الأمريكة حيث بدأ بعد فترة وجيزة يعاني من مرض عضال وبقى يصارع مرضه حتى وافاه الأجل في التاسع من تموز 1969 حيث نقل جثمانه الى العراق وتواراه الثرى في مقبرة الصابئة المندائيين في أبوغريب بناءاً على وصيته
ومن الطرائف التي تروى عن الدكتور الراحل أنه شوهد يحمل مظلة شمسية أثناء قدومه للدوام الرسمي في أحد أيام الصيف وعند سؤاله عن السبب قال بأن الدنيا ستمطر اليوم
لم يقتنع أحد بطبيعة الحال بما تنبأ به الدكتور العالم بالأنواء الجوية

وبالفعل ... أمطرت السماء قبل ظهر ذلك اليوم

الخميس، 26 نوفمبر 2015

زينب القطبي
الثلاثاء 03/04/2012

أهدي قصتي المتواضعة الى الإنسانة التي كلما تُهت ارشدتني، وان اخطأت علمتني، وان تعصبت هدأتني، وان نسيت الحق.. به ذكرتني، وان سلكت الباطل.. الى الحق وجهتني، وان فلت لساني.. بكلماتها أدبتني، وان ضعف ايماني قوتني، وان تماديت نبهتني، وان عثرت ساعدتني، وان بكيت.. الى صدرها ضمتني، وان كتبت عاتبتني، وان غفلت ايقظتني..اهديها الى السيدة ام زهراء القطبي متمنية لها الصحة والعافية والعمر المديد.

تعرض الفيليون على يد عصابة البعث الى جريمة نكراء لا يمكن نسيانها او تجاوزها او طي صفحتها، كونها شملت شعبا آمنا برمته اطفالا وشبابا ونساءا ورجالا ومزقتهم وشتتهم، وتسببت بتهجير اكثر من نصف مليون فردا منهم، بالاضافة الى تغييب ابنائهم وقتلهم فيما بعد بابشع الوسائل والطرق، ومصادرة ممتلكاتهم واموالهم وحرق احلامهم وتدمير طموحاتهم، حتى غادرتهم الافراح ليحل محلها الاحزان والسعادة ليحل محلها الهموم، والغنى تحول الى البؤس والفقر، وتحولت احوالهم من الامان والطمأنينة الى الخوف والألم والحزن. فاصبحت لكل عائلة فيلية قصة بل لكل فيلي قصة مأساوية، احداثها ترافقه كالظل حتى القبر.

· الرحيل: بغداد/ العراق

الحاج (حسين جاسم القطبي) الذي كان في الستينيات من عمره، كان يسكن مدينة بغداد ويعمل تاجرا في سوق الشورجة، وكان ثريا ويمتلك العديد من العقارات، فضلا عن سيطه وثقله بين تجار الشورجة التي كانت بيد تجار الكورد الفيليين، ويحضى بمكانة مرموقة بين التجار واهل منطقته وسمعة طيبة لسمو اخلاقه وحبه للخير ولمساعدة الاخرين. كان ينحدر من عشيرة القطبي احدى عشائر الكورد الفيلية. وكان عراقيا ابا عن جد ويمتلك الجنسية العراقية وشهادة الجنسية العراقية ويعيش مع اسرته الصغيرة في بيت يملأه الحب والحنان. الا ان بسبب الحقد العنصري والحسد والغيرة والطمع والجشع والكسب غير الشرعي وقع ضحية جاره المدعو (فرعون مطشر) الذي كان جشعا واعتاد على كسب قوته من خلال استغلال الاخرين والتسلق على اكتافهم، كما كان منكبا على كتابة التقارير الحزبية على الجيران واهل المنطقة للحصول على المكافآت لاشباع غرائزه الحيوانية.


· بغداد شارع فلسطين 1980

يحكى ان الأنسة (مريم حسين القطبي) التي كانت طالبة في الجامعة المستنصرية وتعيش حياة سعيدة وجميلة في كنف والديها، وفي ذات نهار مشمس جميل من ربيع عام (1980) رجعت من الجامعة كالعادة الى البيت، الا ان ذلك اليوم كان مختلفا تماما عن سائر الايام الأخر، كونها وجدت عددا من ازلام النظام المباد من الحزبيين ومعهم (فرعون مطشر) الذي كان قد كتب تقاريرا عديدة عن تلك العائلة مخبرا اسياده بان هذه العائلة من جذور إيرانية، بغية ان يتم تسفيرهم ليتسنى له الاستيلاء على منزلهم الكبير، وفعلا تم اقتياد جميع افراد عائلة الحاج حسين بواسطة سيارات لاندكروز الى سجن التسفيرات بالقرب من ملعب الشعب الدولي:

انوح وقد ناحت بقربي حمامة ... أيا جارتا هل تشعرين بحالي
أيا جارتا ما انصف الدهر بيننا ... تعالي اقاسمك الهموم تعالي


· تسفيرات ملعب الشعب

هي عبارة عن قاعات (جملونية) كبيرة خالية من كل الخدمات، لا تصلح ان تكون حتى مخازن للبضاعة، استخدمها النظام الصدامي في زج الالاف من العوائل الفيلية بتهمة التبعية الإيرانية، كان يزج فيها اعدادا غفيرة كل يوم ومن ثم يرحلون. بقيت عائلة الحاج حسين في سجن التسفيرات لمدة يومين لم يسمح فيهما ادخال الاطعمة والاشربة لهم بسبب الاحكام الصارمة فكل شيء كان هناك ممنوعا.

في اليوم الثاني قامت الاستخبارات العراقية بجمع كل الشباب ممن بلغت اعمارهم (18) سنة فما فوق، اقتيدوا بعدها الى قسم التفتيش الذي كان عبارة عن قسمين احدهم للنساء والاخر للرجال، وهناك تم تفتيشهم وسحب اوراقهم ووثائقهم الثبوتية وسرقة ما بصحبتهم من اموال. بعدها اقتادوا الحاج حسين الى مكتب مدير التسفيرات لاجباره على ورقة تنازل تم اعدادها مسبقا، كتب فيها ما يأتي (انا حسين جاسم القطبي أقر واعترف ان كل أملاكي هي أملاك العراق، وليس لدي أي وجه حق فيه، وانني إيراني الأصل، وقد طلبت من الحكومة العراقية بتسفيري الى بلدي الأصلي ايران، وقد تنازلت عن كل شيء عندي لصالح صاحب الحق الشرعي الحكومة العراقية، واشكرهم لقبولهم طلبي في ارجاعي لوطني الأم)، وفي الختام كتب توقيع الحاج حسين جاسم، عندها قال الحاج حسين: لكنني عراقي ومن أبوين عراقيين بالولادة، فقال له مدير التسفيرات: اتنكر انك كردي، فأجابه: لا أنكر، فقال: له اذا تعترف انك إيراني لان الفيلي ايراني اذهب وابحث عن قبر جدك سوف تجده خلف الجبل (بشتكو). بعدها وقع الحاج على ورقة التنازل، الا انه طلب منهم ان يتركوا له بعض المال، فأجابه مدير الأمن: (هاي اموال عراقية روح للخميني خلي ينطيك تومان تعيش بيه) بعدها زجوهم في شاحنات كبيرة مغلقة لا توجد فيها اية منافذ ولا مقاعد وسارت بهم باتجاه الحدود الايرانية.

معاذ الهوى ما ذقتِ طارقة النوى ... ولا خطرتْ منك الهموم ببالِ
أتحمل محزون الفؤاد قوادم ... على غصن نائي المسافة عالِ

· المنذرية/ خسروي

هو منفذ حدودي يربط العراق بايران من جهة محافظة ديالى، شهد هذا المنفذ تهجير الاف العراقيين بتهمة التبعية، الا ان بسبب صغر المنفذ كونه لا يستوعب تلك الاعداد الكبيرة، ابتكروا طريقة جديدة وهي رمي العوائل مع الضرب من على ظهر الشاحنات على طرق وعرة بعيدة عن المنذرية، تاركيهم في العراء من غير رحمة يواجهون مصيرا مجهولا اثناء توجههم نحو الحدود الايرانية. كان الوقت حينها ليلا عندما سلكت القافلة ذلك الطريق الوعر، القافلة كانت تضم مسنينا واطفالا رضع ونساءا حوامل، اتعبهم الطريق فمنهم من واصل السير ومنهم من جلس، ومنهم من افترش الارض لينام عليها، جلست عائلة الحاج حسين لتستريح قليلا ومن حولها الكثير من العوائل الفيلية الاخرى لتستعيد انفاسها بعد ذاك الطريق المتعب. كان المكان يضج بالصراخ والبكاء والعويل، بعضها كانت اصوات بكاء الاطفال، بسبب احتياجهم للحليب، واخرين بسبب البرد القارص، ومنهم تقرحت اقدامهم بسبب السير في ذلك الطريق الوعر المليء بالادغال والاشواك.


كان كبار السن يجدون صعوبة في السير في تلك الطرقات الوعرة وخاصة مع عدم وجود ادلاء، سقط العديد منهم في حفر من جراء التعب والظلام والخوف واصيبوا بالكسور، لقد بدى التعب واضحا على الانسة مريم بينما كانت جالسة، وماهي الا لحظات واغمضت عيناها ونامت. وهناك وجدت نفسها جالسة في قاعة الكلية الى جانب زميلتها وداد، تجاذبت معها اطراف الحديث، سألتها صديقتها (وداد) عن سوار جميل في يدها فأجابتها مريم: انها هدية من والدها في عيد ميلادها، تمازحتا كثيرا وارتفع صوتهن بالضحك واذا بالاستاذ المحاضر يدخل ويوبخهن، عندها انتبهت مريم من نومها واذا بها جالسة على صخرة والى جانبها رجل كبير السن يصرخ بسبب ألم ساقه الذي تعرض للكسر.نظرت بامعان حولها وادركت انها كانت تحلم برفيقتها وداد وكليتها الحبيبة، وبها مات حلمها في اكمال دراستها.

أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا ... تعالي أقاسمك الهموم تعالي تعالي
تري روحا لدي ضعيفة ... تردد في جسم يعذب بالي

كانت قافلة المهجرين تتجه صوب الحدود الايرانية بينما كانت مريم تجر بيد والدتها التي اعياها تعب الطريق وهي تحاول ان تصبرها وتقول: (تحملي ما ظل شيء قليل ونوصل) وعندما تترك يد والدتها الى اختها كانت تذهب وتمسك بيد امرأة مسنة اخرى. بقيت مريم على هذا الحال ليومين لان القافلة تاهت في العراء حتى عثرت عليهم دورية ايرانية مرت قرب الحدود. استنجدت الدورية في السلطات، وبعد ساعة حضر افراد من الجيش الايراني الى المكان، نزل ضابط من سيارته الخاصة متجها نحو القافلة وسئلهم بالفارسية فلم يجيب عليه احد، بعدها حاول التكلم معهم بالعربية سائلا: من انتم وماذا تفعلون هنا وكيف وصلتم؟ اخبروه بقصتهم، فطلب منهم ان يجلسوا اربعات فجلست افراد القافلة اربعا بعد اربع، بعدها قال: اجلسوا خمسات، فامتثلوا لطلبه وجلسوا خمسا بعد خمس، بعدها قال: اجلسوا ستات، فصرخ احدهم بوجه الضابط قائلا: نحن لسنا بنعاج، فقال له الضابط: اريد ان اعرف عددكم. انتهت المشادة الكلامية بعد ان عرف الضابط بان عدد القافلة هو (273) نفرا، تسائل الضابط لكنه تم اخبارنا من السلطات العراقية بان عددكم هو (354) فاين البقية. فأجابوه ان البقية اما اضلوا الطريق او انهم لم يتمكنوا من مواصلة الطريق بسبب التعب، طلب بعدها الضابط جلب سيارات لنقل افراد القافلة. فأتت سيارات (بيكاب) مكشوفة، تم عزل النساء عن الرجال في هذه السيارات، وتم نقلهم الى العمق الاراضي الايرانية بمسافه (15) كم، بعدها تم تقديم الماء والطعام. بينما كانوا ينتظرون نقلهم الى مكان آخر اضطروا الى اشعال النيران بسبب برودة الجو، جلست مريم جنب والدها وألقت برأسها على كتفه، فقال لها والدها: كان بودي ان اجعلك سعيدة لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، نحن لا نعلم كيف سيكون مصيرنا في ايران، لكن الكتاب يعرف من عنوانه، ومن خلال استقبالهم يبدوا لي ان المعيشة سوف تكون قاسية. أرتأت مريم ان تغفوا في احضان والدها بانتظار صباح افضل.

الا ايها الليل الطويل انجلي ... بصبح وما الاصباح منك بأمثلي

استيقظت مريم على اصوات زقزقة العصافير على شجر الصفصاف في ذلك الصباح الجميل، رأت كتبها متناثرة هنا وهناك قامت بجمعها وبعد ان غيرت ملابسها نزلت الى الطابق الارضي حيث كانت والدتها قد اعدت لها فطورها، تناولتها على عجل ليصطحبها والدها الى جامعة المستنصرية، دخلت رواق الجامعة كانت صديقتها وداد لم تصل بعد، جلست في انتظارها، وماهي الا دقائق حتى وصلت زميلتها، ولم تبدو على ما يرام، سألتها مريم: ماذا بك؟ فلم تجيب، فقالت لها: (ياساتر يا الله شبيج احجي) فأجابتها وداد وهي تبكي: لقد تم القبض على خالي البارحة، فسألتها مريم عن السبب، فقالت وداد يعتقد انه ينتمي الى حزب معارض، فقالت لها مريم: واين هو الان؟ فأجابت: لا يعرف احدا مكانه، لربما نقلوه الى احدى المعتقلات. عانقت مريم صديقتها واخذن يطبطبن على اكتاف بعضهن. كانت يد الحاج حسين بارده وهو يمررها على وجه مريم ليوقظها ويخبرها، بوصول الحافلات الايرانية لنقلهم الى مدينة قريبة، عندها تم فصل العوائل عن البعض حيث فصلوا النساء في حافلات، والرجال في حافلات اخرى، وسارت بهم في ظلام الليل نحو مدينة (كرمان شاه).

أيضحك مأسور وتبكي طليقة ... ويسكت محزون ويندب سالِ
لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة ... ولكن دمعي في الحوادث غالِ

كانت السيارات تشق ظلام الليل في طريق جبلي مرتفع وهي تحمل معها جميع افراد القافلة، سارت بهم لمدة ثلاثة ساعات، بعدها نزلوا من تلك السيارات ليركبوا غيرها، هذه المرة جلست مريم الى جانب زجاجة الحافلة وبجانب والدها، كانت ترى بين الحين والاخر اضواء قرى صغيرة في طيات الجبال العالية، كانت اضواء القرى تشكل لوحة جميلة، مسكت فرشاتها واخذت تلون تلك اللوحة، رسمت بها طفلة صغيرة تسيل الدموع من عينها على خديها, ولطالما كانت ترسمها في جميع لوحاتها، وكل من كان يسألها تجيب هذه انا. احبت مريم الرسم وتعلقت فيه كثيرا وكان خالها معجب جدا بلوحاتها، وكلما كان يأتي لزيارتهم يسألها هل من لوحة جديدة؟ كان يشجعها على الرسم ويوفر لها كل ما تحتاج من ادوات. انتبهت مريم من غفوتها واذا بها جالسة في مكانها، ولم تكن تلك اللوحة الا صورة لقرية من قرى ايران، تثاقل الحزن في خلجات مريم ادمعت عيناها. نظر الحاج حسين الى ابنته رأى الدموع في عينها، اخذ يمسحها بيده، وقال لها: (لا تحزني يا ابنتي الي خلقنا ما يعوفنا هذه الدنيا دار فناء ودار امتحان وان الله اختارنا لهذا الامتحان فيجب ان ننجح به)، وضعت مريم رأسها في حضن ابيها الذي كان هو كل شيء لها. الذي كان في بعض الاوقات يتصابا معها ويلاعبها، وفي احيان اخرى هو مربي فاضل وكذلك معلم، بينما في وقت اخر يكون ابا صارما يحاسب ويعاقب، كانت مريم فخورة جدا بأبيها، كونه رجل عصامي بنى حياته بنفسه، حتى اصبح تاجرا كبيرا، وكان يحترم بيته جدا. كان عند الغروب عادة في بيته، حيث كان يقول لا خير في رجل ترك عائلته وقت الغروب ويذهب ليتسكع. كان كل ليلة يجلسون ويتسامرون على مائدة الطعام ويقضون وقتا طويلا حيث كان الحاج حسين يقول ان ساعات الطعام لا تحتسب من العمر، فلنجلس اكبر وقت ممكن كي لا يحسب من عمرنا، كانت هذه حكمته، وكانت العائلة سعيدة بهذه الحكمة.

كان الحاج حسين ينتقد تصرفات حكومة الطاغية صدام في احاديثه، ويحث التجار على ان يكونوا يدا واحدة، وعدم القبول بدفع فلسا واحدا الى جلاوزة النظام الذين اعتادوا على اجبار التجار بدفع الاموال لهم بين فترة واخرى.

سارت القافلة مدة ساعتين وتوقفت في مكان مظلم، عندها صعد الى الحافلة خمسة اشخاص مسلحين واخذوا يتفحصون الركاب في امعان، بعدها تم انزال اربعة من الشباب بعد ان وضعوا في ايديهم الاغلال. وبعد فترة علمنا ان المخابرات العراقية قد قامت بدسهم بيننا، لكن المخابرات الايرانية كانت على علم في الامر. بعدها استمرت الحافلة بمسيرها وهي تشق طريقها في دماس الليل متجه الى (كرمان شاه). وصلت قافلة المسفرين الى (كرمان شاه) نزلوا بعدها في (جملونين) كبيرين واحد للنساء واخر للرجال، كان الوقت حينها اول الفجر، وبعد ان صلو صلاة الفجر افترشت مريم الارض بجانب امها واغمضت عيناها مستسلمة الى نعاسها الشديد. رن جرس التلفون كان الوقت الساعة الخامسة فجرا استيقظت مريم من نومها العميق على صوت التلفون نزلت من غرفتها الى الصالة رفعت سماعة الهاتف وقالت: تفضلوا، كان على الطرف الاخر وداد وهي تبكي فسألتها مريم: ما بك؟ قالت: لقد تم اعدام خالي واستلمناه ليلا بعد دفع (25) دينار ثمن الاطلاقات، كانت تبكي بكاء شديدا تقول: ان خالها قد تعرض الى اشد التعذيب، ومن شدة التعذيب اصبح لون جسمه بنفسجيا. اخذت مريم بالبكاء الشديد كان بكاءه بصوت مرتفع وضعت أم مريم يدها على كتف مريم لتوقظها قائلة: اغسلي وجهك فانهم طلبوا منا ان نجهز انفسنا للفطور، وبعدها سيتم نقلنا الى مكان اخر، استقيظت مريم من نومها، كانت لطالما تحلم بصديقتها العزيزة وتتشوق لسماع اخبارها.

قالت فهلا فدتك النفس احسن من ... هذا لمن كان صب القلب حيرانا
يا قوم ادنى لبعض الحي عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين احيانا

بعد تناول الافطار جاءت سيارات نوع (كوستر) وانطلقت بنا في تجاه الجبال، سارت هذه السيارات في طرق ضيقة وعالية كانت العوائل تخاف من منظر الطريق الخطر، جلست مريم بجنب اختها وهن ينظرن من خلال النافذة الى القرى التي تقع على جانبي الطريق، كانت تبدو بدائية، الا ان اعمدة واسلاك الكهرباء كانت تمر وسط تلك القرى فضلا عن توفر بقية الخدمات، توقفت السيارات عندما اعترض طريقها قطيع من الاغنام يتقدمه رجل مسن معه طفل صغير، فبتسمت مريم الى الطفل، تذكرت قاسم حين كان يبلغ من العمر تسعة اشهر، كان يعاني من ضعف في القلب وانسداد في احدى الصمامات، لطالما سهرت مع امها طوال الليل لترعيانه، في احدى الليالي ازرق لونه، فاسرع والده بنقله الى مستشفى ابن النفيس بقي منتظرا طبيب الخفر لمدة اربعة ساعات في صالة الانتظار، بعد ان نفد صبره صرخ الحاج حسين بأعلى صوته اين الطبيب الخفر؟ ولماذا كل هذا الانتظار؟ ابلغه مسؤول الاستعلامات ان لا يرفع صوته. بدى عليه من خلال كلامه بعثي من الطراز الاول، كونه اخذ يلقي خطبة يمجد بها الحزب والثورة ومنجزاتها ومابنت من مستشفيات وقدمت من خدمات، صرخ به الحاج حسين قائلا: هذه خيرات الوطن وليس للحكومة اي فضل في هذا، استدعى مسؤول الاستعلامات امن المستشفى وعلى اثرها سجن يومين كاملين في مركز للشرطة، اما زوجته اخرجت ابنهما قاسم من المستشفى بعد ان ابلغها الطبيب بضرورة اجراء عملية له، الطفل كان لا يزال ينظر مبتسما الى مريم، انطلقت السيارات من جديد، وصلوا بعد ثلاث ساعات ونصف الى قرية اسمها (نور اباد) كانت الحكومة الايرانية قد بنت فيها معسكرا للاجئين يتكون من حوالي (35) بيتا صغيرا، بينما عدد العوائل كان اكبر بكثير، اضطر الحاج حسين وغيره ان ينصبوا خيمة وسط المعسكر. الحالة كانت سيئة للغاية، الماء كان قليلا وله اوقات محددة اما الكهرباء كان متقطعا، لم تتوفر وسائل تدفئة رغم شدة البرد، الطعام ايضا كان قليلا جدا، كانوا يقدمون الشاي والسكر والجبن والخبز فقط، بقيت العوائل على هذه الحالة السيئة في هذا المعسكر اكثر من (40) يوما منتظرين امر نقلهم الى مكان اخر. كانت السلطات تجري تحقيقا يوميا مع اربع او خمسة انفار فقط، يسألون عن سبب قدومهم الى ايران، حتى جاء دور الحاج حسين حيث سأله المحقق عن سبب قدومه، فاجابه قائلا: حتى اتبارك في وجهك الكريم، فغضب المحقق من هذا الجواب، فقال له: هل تسخر مني؟ فأجابه الحاج حسين: بل انت من تسخر في سؤالك مني، بينما انت تعرف جيدا نحن قد تم تسفيرنا، ولم نأتي بناءا على رغبتنا، فلماذا هذا السؤال اذن؟ قال المحقق: من حقي اسأل كل شيء، ولا تنسى ان علاقاتنا غير جيدة مع العراق، ومن حقنا معرفة الصغيرة والكبيرة. بعدها ابلغ المحقق الحاج حسين بانه سيتم نقلهم الى مدينة (جهرم) بعد اكمال التحقيق. واضاف: ستشكر الله حينها على هذا التأخير وستتذكر كلامي هذا. فهم الحاج حسين ما قصده المحقق تماما، وادرك ان هناك متاعبا كبيرة وظروفا قاسية جدا في انتظارهم في مدينة (جهرم). كانت العوائل ما تزال تعاني في معسكر (نور اباد) الواقع في قرية (نور اباد) النائية، كانت القرية تقع في الجهة المقابلة لمدينة حلبجة العراقية. اخذت الخدمات تقل يوما بعد يوم حتى تم نقلهم الى مدينة (جهرم) والتي كانت تبعد حوالي (18) ساعة بواسطة السيارات.

فقلت احسنت انت الشمس طالعة ... اضرمت في القلب والاحشاء نيرانا
يا ليتني كنت تفاحا مفلجه ... او كنت من قضب الريحان ريحانا

· استان فارس / جهرم

جهرم مدينة صغيرة تقع في محافظة (فارس) التي عاصمتها (شيراز) تبعد مدينة جهرم عن شيراز (180) كيلو مترا، تأسست هذه المدينة على يد جد الشاه وجعلها مدينة لنفي المعارضين اليها. اسست حكومة الشاه في التسفيرات الاولى التي حدثت في بداية السبيعينيات مجمعا سكنيا في اطراف مدينة (جهرم) على مسافة (14) كم شرق المدينة، واعدها لاستقبال المسفرين، كان المعسكر عبارة عن مخيم وفيه مخزن للمواد الغذائية وبئر للماء وسينما ومسجد ومخبز وكذلك ادارة، كان يحيط به اسوارا من اربعة جهات. كان له بابا واحدا للخروج والدخول، فيه غرفة استعلامات وكذلك حرس بالاضافة الى موظف استعلامات، والى الجوار منه كانت هناك غرفة للتحقيق يقيم فيها المحقق وكان من الاطلاعات الايرانية، كما كان مسؤولا عن منح الاجازات لمن يريد السفر الى داخل ايران، وكان امر الحصول على اجازة متعبا جدا ويستغرق وقتا ليس بقليل. اما في تسفيرات الثمانينيات اعتمدت الحكومة الجديدة المكان نفسه والنهج نفسه وفي الخيم نفسها، كل شيء تغير في ايران خلال التغيير الا (اردوكاه جهرم) بقي على الحال نفسه. وكأنه كان غير مشمولا بالتغيير، وكذلك على العراقيين ان يبقون يعانون ويعيشون حالة العذاب، ومن سوء الادارة وظلمها استبعد العراقيون ان يكون (الاردوكاه) تابعا للجمهورية اسلامية، كانوا يعتقدون ان ادارة المخيم بيد اناس يكرهون الدين بسبب القوانين التعسفية التي لا يقبل بها الله ولا رسوله.

بعد مرور سنتين من التسفيرات قامت الحكومة الاسلامية برفع الخيم وازالتها، وبنت بيوت من البلوك بدلا منها، كل بيت فيه غرفتان وتواليت فقط لا يوجد مطبخ ولا حمام، اضطر سكان المجمع ان يبني كل منهم حماما ومطبخا من الصفيح (الجنكو) لعائلته، كان المجمع يزود بالماء من بئر قديم جدا فيه مضخة لسحب الماء، كان يُسكب زيت مولدات الكهرباء في ذلك البئر القديم، يصل الماء الى المجمع ممزوجا بالزيت. الكهرباء كانت لا تشغل الثلاجة، وكانت تنقطع فترات طويلة. قليل هم من سكان المخيم من حصلوا على فرصة عمل كعامل بناء او في قطف الثمار في بساتين الحمضيات المنتشرة هناك. كانت حالة العمال ترثى لها، وكان الفقر منتشرا في (الاردوكاه). حيث كان على الفرد ان يعمل ثلاثة اشهر فقط، ليعيش بعدها بذلك القوت لمدة سنة كاملة. الادراة قربت اليها بعض الاشخاص في المجمع كي يتجسسوا على الباقين. وعندما كانت هناك زيارة مرتقبة من احدى المنظمات، تقوم ادارة المجمع مسبقا بحملة تنظيف واسعة ويجهزون المجمع بالمستلزمات الضرورية كالغذائية والطبية والماء والكهرباء وتوفير البطانيات وغيرها، وما ان تنتهي الزيارة حتى تعود الحالة الى سابق عهدها. كانت المنظمات تجلب معها مساعدات كبيرة لسكان المجمع، لكنهم لا يحصلون منها غير الفتات، حيث يتم تقسيم الغنيمة بين الرؤوس الكبار للمسؤولين على المخيم.


بعد عناء طويل وصلت قافلة المسفرين الى (اردوكاه جهرم) كان وقتها لازال الخيم موجودة، استقبلتهم ادراة المجمع وضعتهم في (جملون) كبير حتى الصباح، قدمت لهم الشاي والجبن افترشوا الارض ليناموا من شدة ما اصابهم من تعب، افترشت مريم الارض جنب امها اغمضت عيناها وهي تدمع، ايقتنت تماما بان حياتها ابتدأت الان بكل معاني القساوة. كانت الافكار تتشتت داخل رأسها، نظرت الى السقف الذي كان من الصفيح يغلفه نسيج العنكبوت ادركت ان حياة جديدة لم تعهدها من قبل قد بدأت. ارجعت شريط ذاكرتها الى الخلف الى نور اباد- كرمان شاه- المنذرية- تسفيرات ملعب الشعب- شارع فلسطين منزل فخم كبير بناه الحاج حسين في أواخر السبعينيات، الذي كان يتكون من طابقين مؤثث باثاث فاخر وفخم، فتحت مريم خزانتها اختارت اجمل بدلة فيها، ارتدتها وهي مسرعة، وقفت امام مرآتها تسرح شعرها الجميل الطويل، نادتها امها اسرعي يامريم تأخرنا، كونهم كانوا مدعوين الى حفلة تخرج خالها من كلية الزراعة، ذهبت عائلة الحاج حسين الى منزل جد مريم بعد ان اشترت الهداية. كما كان في يد مريم اكليل من الورد قدمته الى خالها بمناسبة نجاحه، كان لمريم ثلاث اخوال يحبونها ويدللونها، بعد حفلة التخرج بشهور بدأت حملة التسفيرات تم احتجاز خوالها في السجون ولم يعرف لهم مصيرا الى اليوم. رجعت مريم من ذاكرتها وهي تنظر الى سقف (الجملون) اغرورقت عيناها من جديد بالدموع، بقت على هذا الحال حتى آذان الفجر.

جاء مدير المجمع وقال لهم سوف نعطيكم خيم وعلى كل عائلة ان تنصب خيمة لها، بدأ الحاج حسين بنصب بيته الجديد في مجمع (جهرم) وساعده بعض الشباب، كما اعطت ادراة المجمع لعائلة الحاج حسين قدرين فافون و(6) صحون فافون و(6) ملاعق فافون وبكنيك صغير (بريمز غاز) ولكل نفر بطانيتين.

كان العراقيون الذين لايجدون عملا يذهبون الى بلدية المدينة ويعملون في البلدية كمنظفين في الشوارع، لم يستسغ الحاج حسين ذلك عمل وعليه صبر اياما أخر، حصل بعدها على عمل في احد البساتين، كان العمل متعبا مقابل اجر زهيد جدا، كان يرجع الى بيته والتعب قد اخذ من جسمه ما أخذ، استمرت المعاناة في (الاردوكاه) سنتين كاملتين، بعدها قررت الحكومة الايرانية ازالت الخيم لبناء بيوتا بدلا منها تتكون من غرفتين وتواليت فقط. واخيرا اصبح للحاج حسين بيتا يأويه وعائلته، وان كان صغيرا وحارا جدا صيفا وباردا قارصا شتاءا. كان يذهب في فصل الشتاء الى البستان يعمل وفي الصيف يجلس بلا عمل حتى اشتد به المرض، الا انه كان صامدا من اجل جلب لقمة العيش لعائلته، تمكن الحاج حسين ان يشتري خروفا ليقدمه كأضحية الى والده في عيد الاضحى. كانت مريم تنظف اللحم وتعده للوليمة التي كانت بالمناسبة زواج خالها، كان الضيوف كثيرون، كان خال مريم يستعد للبس بدلة العرس حينها داهمتهم قوات الامن البعثية، من دون ان توجه له اية تهمة، لكنهم علموا ان احد الجيران قد كتب تقريرا الى الحزب يخبرهم بان العائلة تستمع الى الاذاعة الايرانية، اقتاد رجال الامن خال مريم في ليلة زواجه وساقته الى احد السجن ولم يخرج منها الى بعد عدة شهور، انتبهت مريم الى صوت والدتها وهي تنظف في لحم الأضحية، ادركت انها سرحت في ذكرى مأساة خالها.

كان الاهالي في (الاردوكاه) يتزاوجون ويتصاهرون فيما بينهم،الا ان مريم رفضت هذه الفكرة، كون المكان لا ينفع ان يولد به طفل ليتحمل تلك المعاناة، فرفضت كل المتقدمين لها وكان والدها مؤيدا لتلك الفكرة تماما، فهو كان يعتقد ان المكان والحالة لا يصلحان لتكوين اسرة وانجاب اطفال. فكيف سينشأ الاطفال في تلك الظروف الصعبة والتعسفية، الادارة كانت تقوم بأخذ متطوعين يوميا لتزجهم في الحرب العراقية الايرانية. كان الحاج حسين رافضا فكرة المشاركة وفكرة الحرب بكل تفصيلها. كان بين الحين والاخر تدخل توابيت للقتلى، او تصل الى عوائلهم خبر فقدان البعض او اسرهم، فكلما اشتدت المعارك، اشتدت قساوة الادارة على المسفرين، كونها كانت تعتبروهم عراقيين، ولا ينظرون اليهم كمضطهدين لاحول لهم ولا قوة، وفي احد ايام شهر رمضان كان الجو فيه حارا جدا، استلقى الحاج حسين بعد ان فطر مع افراد عائلته كي ينام، عائلته تعودت كل ليلة ان يوقظها الحاج حسين لتناول السحور، الا ان في هذه الليلة لم يوقظهم للتسحر، استيقظت مريم على عجل كي تدرك السحور فسارعت لتوقظ افراد العائلة وجدت الحاج حسين نائما، ذهبت برفق لتصحيه فلم يصحو.. بعد لحظات دوت في أفق (الاردوكاه) صرخة شقت سكون الليل.. لقد ارتفعت روح الحاج حسين الى بارئها.

(( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ))

بَعد ونّ.. بَعد ونّ ياكلبي.. لا تبطل الونّ..
بَعد وين..مثل ما ضيعت تلكه.. بعد وين..
يشايل نعش غالينه.. ولك وين

ادفنه هنا وبكلبي الشجية

السبت، 24 أكتوبر 2015


16 hrs
قصة الأميرة خديجة ابنة آخر الخلفاء العثمانيين وزوجة أغنى رجل بالعالم
رام الله - دنيا الوطن
«إلى أين نحن ذاهبون؟ ربما إلى مأساة غير متوقعة وربما إلى أيام غربة مملوءة بالجفاء والألم.. بهذه الضربة تحطمت جميع آمالي وانطفأت جميع أنوار سعادتي».. بهذه الكلمات كانت تستعيد الأميرة «در شهوار»، الابنة الوحيدة لآخر الخلفاء العثمانيين، الساعات الحزينة من عمرها عندما صدر قرار ترحيل أبيها وأسرتها من البلاد وهي لم تتخط العاشرة من عمرها، ليأتي مصطفى كمال أتاتورك أول رئيس جمهورية لتركيا.
الأميرة «در شهوار» Durru Shehvar أو «در الملوك»، هي الأميرة خديجة خيرية عائشة درشهوار بنت الخليفة عبدالمجيد آخر خلفاء آل عثمان، ووالدتها هي السيدة عطية مهستي هانم، كانت الابنة المفضلة المحبوبة لدى السلطان العثماني وأجمل فتيات عصرها التي لا تفارقه أبدا، التي كان يرسم لها لوحات عديدة ويعلقها في قصر «دولما» بهشة في تركيا، كما جاء في صحيفتي «تليجراف» البريطانية، و«الرياض» السعودية، ومواقع alorobanews، و royalstory، و shomosnew، وصفحتي «صور قديمة لمصر» و«الصفحة الرسمية لموقع الملك فاروق – فاروق مصر» على موقع «فيس بوك».
ولدت «در شهوار» في 26 يناير 1914 بقصر «شامليجا» في «أوسكدار» بإسطنبول في تركيا، وبعد ترحيل عائلتها وهي في العاشرة من عمرها، توجه الخليفة «عبدالمجيد» وعائلته للعيش في مدينة نيس بفرنسا، وبعد سنوات قليلة من ضيق العيش غادر وعائلته إلى الهند ضيفا على نظام الدين حاكم مقاطعة حيدر أباد الذي كان أغنى حاكم في العالم.
وتزوجت في عام 1931 من الأميرَ حمايت علي خان أكبر أبناء عثمان علي خان آخر حكام إمارة حيدر أباد بجنوب الهند، وتم زواجها في بلدة نيس بفرنسا عام 1931، وباتت تحمل لقب «أميرة برار»، وكان «نظام» سلطان حيدر أباد حينذاك يعتبر أغنى رجل في العالم وكان يملك عام 1930 ما يقدر بحوالي 100 مليون جنيه إسترليني من الذهب والفضة إلى جانب ما قيمته 400 مليون جنيه إسترليني من المجوهرات، وقدم 25 مليون جنيه إسترليني لمجهود الحرب البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، ويقال إن هذا الزواج قرب بين القارتين الآسيوية والأوروبية.
وكان «النظام» أعلى رتبة بين كل الأمراء في الهند البريطانية، وحكمت أسرته إمارة حيدر أباد منذ عام 1712 إلى عام 1948 حين غزتها القوات الهندية وضمتها إلى الهند عنوة، وكانت تتكون من أراض شاسعة في وسط وجنوب الهند وهي موزعة حاليا على 3 ولايات هندية جنوبية هي «آندهرا براديش، وماهارشترا، وكرناتكا»، وكانت إمارة حيدر أباد تفوق في مساحتها بلدانا أوربية عديدة.
وتزوجت بنت عم الأميرة «در شهوار»، الأميرة «نيلوفر» من ابن النظام الأصغر شجاعت علي خان، ووصفت الأميرة «نيلوفر» بأنها كانت أجمل امرأة في العالم في شبابها، ويعتقد أن النظام من خلال هذه المصاهرة كان يهدف إلى الحصول على الشرعية الإسلامية كخليفة مقبل للمسلمين.
وفي عام 1944، توفي الخليفة «عبدالمجيد» والد «در شهوار»، ومن أجل سعي «درّ الشهوار» لدفن والدها في تركيا قامت بصفتها «أميرة برار» الهندية بزيارة تركيا ومقابلة رئيس الجمهورية وقتها عصمت إينونو، ورغم مقابلته وحرمه لها لكنها لم تستطع إقناعه بدفن والدها هناك وخرجت حزينة، لكنها قررت ألا تيأس وتستمر في السعي من أجل ذلك مستقبلاً.
وقررت «در شهوار» حفظ جثمان والدها الخليفة «عبدالمجيد» في أحد مساجد باريس، وفي عام 1954، زارت «در شهوار» تركيا مرة ثانية، وأقنعت عدنان مندريس رئيس الحكومة آنذاك الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الجديد بدفنه في تركيا، لكن المجلس الوطني التركي علّق البت في هذه المسألة بعد معارضة بعض نواب الحزب الجمهوري، فتحطمت آمال «در الشهوار» بدفن والدها في بلاد أجداده.
ويأبى القدر إلا أن يضع نهاية لهذه القصة الحزينة لجثمان آخر خليفة عثماني، حيث سعت «در الشهوار» أخيرا لدفنه في المدينة المنورة، وبهذا تكون قد أوفت بأمانتها ومحبتها لوالدها وإن كان بعيدا عن أرض أجداده لكنه قريبا وجارا للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، والصحابة، ولم تغفر «در الشهوار» لبلدها الذي رفض استقبال والدها ولو جثة هامدة، لذا لم تستعد الجنسية التركية بعد السماح لعائلة «آل عثمان» بذلك وبقيت تحمل جواز سفر إنجليزيا لكنها قامت برحلات قليلة لزيارة إحدى قريباتها في تركيا لكنها لم تستقر هناك رغم الدعوات الكثيرة لها.
وتوفيت الأميرة «در الشهوار» أو أميرة «الهند التركية» كما أطلقت عليها الصحف العالمية، في العاصمة البريطانية، لندن، في 7 فبراير 2006، عن عمر ناهز 92 عاما، أوصت ولديها اللذين يقيمان في حيدر أباد بالهند بدفنها بمقبرة المسلمين في لندن المسماة بـ«رووك وود» وليس في بلاد أجدادها بتركيا، وبهذا أثبتت هذه الأميرة حبها وإخلاصها لوالدها حتى آخر لحظة في حياتها رغم أنها عند مغادرتها وطنها عام 1924 وهي طفلة في العاشرة قد أثبتت أيضا محبتها لبلدها عندما التقطت وهي «درّة الملوك» حصوة صغيرة لتذكرها بوطنها هي بالنسبة إليها أعز من كل الدرر، كما روت في مذكراتها.



الأحد، 4 أكتوبر 2015

تداعيات بعد الخمسين 
كان جمع النسوة المتسربلات بالسواد وهن يطرقن شوارع بيروت في احد الليلالي الصيفية تتعالى اصواتهن وضحكاتهن لا اعلم على ماذا لكن كل شيء كان يدعو الى اللهو وهن يذهبن لتلبية رغبة في انفسهن برؤية البحر ؟ تصور انهن برغم سفراتهن المتعددة الى بيروت عروس البحر المتوسط لم يرين البحر ولا مرة اذ كن يقضين نهارهن في التسوق ولا يعرفن من هذه المدينه الساحرة الا الفندق البائس من الدرجة العاشرة الذي ينزلن فيه والطريق الى  سوق الملابس الذي يتسوقن منه البضاعة التي يتاجرن بها بين بغداد وبيروت ولا يحيدن عن الطريق ، اما اليوم فمن ورطهن في هذه الرحلة الراجلة الى البحر؟ لا اعلم كيف قبلن بذلك وكيف استطاعت والدتي ان تقنعهن؟ كان ذلك بناءا على طلب مني اذا كنت متلهفا لرؤية البحر الذي سمعت به وتعرفون ان طلبات الاطفال تصبح اوامر نتيجة لألحاحهم ، وبعد مسيرة استغرقت حوالي الساعة في الشوارع الخالية واجهنا البحر بهيجانه وامواجه العاتية اذ كانت الليلة فيها رياح غير اعتيادية وكان البحر هائجا مما سبب صوت امواجه رعبا في انفس النسوة العجائز اللذين لم يرين في حياتهن اكثر من دجلة المنساب هادئا وحنينا في بغداد وسرعان ما ابتدئن بالتعبير عن خوفهن كأنما سيبتلعهن الموج وهن على رصيف الكورنيش ، لكن رذاذها كان يصل اليهن عند ارتطام الامواج بصخور الجرف الواقية  ، طالبن بالرجوع فورا وعدم التمادي في السير بعيدا على رصيف الكورنيش خوفا من ابتلاع الموج لهن او يمكن ان ينهار هذا الرصيف الذي يرتج من اصطدام الموج به فامتثلنا لطلبهن ورجعنا دون ان يتركوني استمتع بالرذاذ المتطاير وصوت الامواج المروع وكانت هذه اخر مرة ارى فيها البحر حتى رأيته بعد عمر طويل .      
1- ( مجيد حميد النفس )
كان يوزع حبه ما ان يخرج من عتبة داره القديم (الخرابه)
حتى يصل الى ساحة الوثبة 
حيث يلتقي بجمع الاصدقاء
ويضحك مع الجميع 
من بائع الباقلاء على باب محل المشروبات الروحية 
الى بائع الجرائد صديقه القديم القديم 
الذي سرعان ما يخبره باخر الاخبار الصباحية 
ويقدم له ما يشاء من الجرائد والمجلات ليقرأها مجانا 
وبعد ان يأخذ علبة السكائر المفضلة لديه 
ينسل الى اقرب مقهى شعبية 
ويكون الشاي حاضرا في جميع الاوقات 
صيفية كانت ام شتوية 
ويتلقف كلمات ال ( الله با الخير )
ليجيبها متلهفا 
ويجالس اي كان 
دون حدود او خطوط حمراء او عقد شرقية
وما ان يعرض عليه احدهم ان يلاعبه الطاولي او الدومينة 
حتى يترك جرائده والصفحات جانبا 
ويسارع في رمية نرد
او بعثرة القطع العاجية على الطاولة الخشبية



2-      في اخر الليل حين تمتزج بقاياه مع بقايا الاوهام
اسافر وحيدا اذ ليس للاوهام ظلال اتكيء عليها
لو انك تعلمبن .... لكن لبس للاحزان صوت
ولا صدى
يخترق المدى
ينبئك بالحنين


3-      كأني بك تنساب مع النور
لتوقظ النهار
تحتار ...... بين ان تغني
و ترسم الاشعار
او ان ترفع عن كاهل عشتروت
العبيء
يا حاملا سفر النبوءات
الم ينبئك منهم احدا
بانك على مقربة من القدر
بؤسنا
نحن البشر
باننا ارتضينا حملها
ونحتنا وحملنا واقمنا ايامنا
ونحن نجهل ان كل شيء ايل الى عدم

4-      في حوش دارنا العتيق
احلم ان تغطيني الظلال
وامسك الزمان
             قبل ان يسافر
 يسمعني صوت امي
كأنه النشيج:
اغفوا على يديها
ولا افيق
) دللول يا الولد يا ابني دللول
عدوك عليل وساكن الجول)


5-      الى ابي :
كان يستمتع اذ يسير في ذلك الطريق الترابي عند زاوية المدينه
يسرح ببصره بعيدا دون حدود
يداعب نسمات الهواء قبل ان تمر 
ويذهب في اعماق ساقية صغيرة
 يتفحص ما تحمل المويجات
ربما ذرة من تراب حقله البعيد
انسابت مع النهر
حاملة عبقا من مهروت
والقصب الغافي على ضفافه
شيئا من ذكريات طفوله
شيء....... تريد ان تقوله
احن اليك يا نهري العتيق
لو انه الطريق....
 يأخذني اليك عبر غابة الدموع
واستفيق...... في ظلالك السمراء  


6-      ربما انت لا تملك شيئا مع الريح
لكنك تستطيع ان تقول للراحلين معها
رفقا بالبلابل الحزينة
دعو لها بعض الكلمات تغنيها
وشيئا من الحب في كتابها المفتوح
الاحزان ..... نعم اعرف انهن باقيات
وجمرها الخبيء
سرعان ما تنضو عنه الريح
بقايا دثار من رماد
لاننا لانملك شيئا مع الريح
الغاديات الرائحات

7-       لم يبق من شيء لك لافي الشوارع او في البيوت او القلوب او الحاجر
لم لا تسافر
احمل متاعك وارتحل
ان شئت فارحل
اطفيء النور واغلق الباب وارحل
ولاتترك خلفك  من جواب
لا تلتفت لكلمات حيطان الزقاق
توميء من بعيد
او حتى صوت من نشيد
كنا نغنيه بايام الصبا
وتراه ترجعه اليوم احجار الطريق

-8
سنديانة انت اذ تقفين وارفة الظلال
اذ تمنحينا جرعات القوة 
لم تكوني تخافين من شيء 

في الليل 
وانا صغير اذ اسمع اصوات الظلام 
كنت تبعثين بي الشجاعة
اذ تنهظين من فراشك تخترقي الظلام 
  اما قلت لك لاشيء يخيف

كم كنا نشعر بالأمان 
ونحن نتقاسم الفراش معك

كان اكلك شظفا كي تشبعينا
وكان لبسك شظفا كي تلبسينا 
فقط حلمك كان بوسع الدنيا
  و كنت دائما تذّكرينا  ........
                           حبّوا بعضكم   
سنديانة انت بلون الليل 
حالكة السواد