السبت، 13 ديسمبر 2014


تحت َ جمهرة الأنواء
أنا حزين ٌ ووحيد ٌ أيتها السماء ُ , ولا طاقة َ لي
بحشود ِ الأنواء
من كان َ معي
ظلَّ معي بوحدته ِ , مثلي
نحن شعب ٌ من المنفردين في عزاء ٍ طويل ٍ
قوّةُ البكاء والخوف
تتبدّد ُ دوما ً تحت قبضات الأشرار
والأمل ُ يتسرّب ُ
الى أسفنجة ٍ من الرمل ِ تحيطنا من كلِّ الجهات
والكلُّ يقتل ُ بعضا ً
تحت وطأة الشعور بالذنب
أنا حزين ٌ ومُستَفرَد ٌ في البريّة ِ
تحتشد ُ الأنواء ُ أقدارا ً
وتصلبني
تصلب ُ غيري الذي كان يرثيني فحسب
وغيره الذي كان يرثيه ِ
وبعيد ٌ عني من احبُّ لأبكي على صدره ِ
وهو آخر ُ ما ظلَّ لي
ولكل ّ الفرادى
مِثْلَهُم أنا , مثل غيري
رهائن ليل الذئاب وفوضى الغبار
( ابراهيم البهرزي )

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014


بآخر محطة سفر ...
والحيل بعد الحيل ...
وعمر البطاقة أنتهى ...
وخيّم علينه الليل ...
كلمن وصل لهله ...
وشاف الذي استقبله ...
بس آنه ...
وحدي أصبحت ...
آنه وعمود التيل ...
- طاهر سلمان -
من هي ملهمة أشهر قصائد السياب؟
«أنشودة المطر» بين لمعان ولميعة
لمعان البكري و لمعان البكري والنحات نداء كاظم يوم إزاحة الستار عن تمثال السياب و لمعان البكري أيام الدراسة الجامعية وإهداء بدر لقصيدة يا «هواي البكر» إليها
لميعة عباس عمارة. و لميعة كما رسمها جواد سليم أيام الدراسة
باريس: إنعام كجه جي
بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل بدر شاكر السياب (1926 - 1964)، يعود التساؤل عن الحبيبة التي ألهمت الشاعر العراقي المجدد مطلع قصيدته الأشهر «أنشودة المطر». إنها ليست قصيدة غزلية تماما، بل تبدأ، على عادة الشعراء القدامى، بالتشبيب والأسى الشخصي الشفاف لتتحول إلى نشيد سياسي هادر متصاعد، يستنكر جوع الفقراء ويبشر بالثورة وبهطول المطر.
«عيناك غابتا نخيل ساعة السحر». هل هما العينان السوداوان لزميلته في دار المعلمين العالية، الشاعرة لميعة عباس عمارة، اللتان تغشاهما العتمة عند المغيب؟ أم هما العينان الخضراوان للمعان البكري، الطالبة الجديدة في كلية الحقوق، اللتان يحيل لونهما إلى غابات النخيل؟
«عيناك حين تبسمان تورق الكروم». ففي تلك الأيام الملتهبة بالنشاط السياسي من أربعينات القرن الماضي، كان يكفي أن تبتسم طالبة جامعية لكي تجد أكثر من قصيدة طوع يديها، كتبها لها زميل من شعراء دار المعلمين العالية، وما أكثرهم. ولعل السياب، الطالب الريفي القادم من الجنوب، كان أشعرهم وأكثرهم استعدادا للوقوع في شراك نظرات وابتسامات بنات المدينة. لقد استلطف الكثيرات وكتب لهن القصائد. يكفي أن تقع عيناه على وجه صبوح فتولد القصيدة. وكانت بينهن من تتقبل القصيدة، لا صاحبها، ربما لأنه كان قليل الحظ من الوسامة، مهموم بالكتب والنضال، يحمل أوراقه في جيب سترته ويتوسط حلقات الرفاق والرفيقات لكي يقرأ عليهم ما ألهمه شيطان الشعر في الليلة السابقة. وممن كتب لهن، بالإضافة إلى لميعة ولمعان، زاهدة الدبوني وسعاد البياتي ولبيبة القيسي التي سماها «لبلاب»، وطالبة يهودية حسناء تدعى «بدر»، أيضا. وكان يتهكم على نفسه قائلا إنها تستحق اسمها فعلا، أما هو فلا.
ومن بين أوهام كثيرة، كانت العلاقة العاطفية التي ربطته بزميلته الشاعرة ذات العينين المتوهجتين كالجمر، حقيقة يشهد عليها زملاؤهما، وقد ورد ذكرها في أكثر من قصيدة من قصائده. لذلك فقد كان شائعا أن الأبيات الغزلية الواردة في مطلع «أنشودة المطر» هي من نصيب لميعة. لكن من عاصروا تلك الفترة يعرفون أن السياب كتب القصيدة وراح ووضعها في يد طالبة أخرى هي لمعان البكري. فماذا تقول لميعة، وما هي رواية لمعان؟
كنت قد التقيت السيدة لمعان، صيف العام الماضي، في لندن حيث تقيم منذ سنوات في إحدى ضواحيها. وهو اللقاء الذي سمح لي أن اتصل بها، مؤخرا، لأطرح عليها سؤالي عن بدر، وعن قصيدة «أنشودة المطر»، وتوقعت أن تتحرج في العودة إلى تلك الحكاية البعيدة. لكن المرأة التي حافظت على الكثير من ألقها، ردت بكل أريحية وأسعفتني ببعض الصور وبنسخ من القصائد التي أعطاها لها السياب. وكانت لمعان قد تزوجت وتركت الدراسة وهي في الصف الأول، ثم عادت لمواصلتها بعد أن رزقت بطفل، لتتخرج في الحقوق عام 1954 وتتدرج في الوظائف وتعمل في «وزارة الإعلام». صارت مديرة عامة تشرف على الكثير من المرافق الفنية في بغداد. ومثل الكثير من العراقيين، انتهى بها المطاف إلى الإقامة في إنجلترا.
قالت: «كنت طالبة في السنة الأولى حين تعرفت على بدر أثناء سفرة نظمها طلبة دار المعلمين العالية ودعيت لها. وما زلت أذكر أن الشاعر كان يدور بدفتر قصائده بيننا ويقرأ علينا بعض أشعاره، ثم أعطاني ذلك الديوان المخطوط وطلب مني أن أقرأه. وبالفعل بدأت بتقليب الصفحات والاطلاع على ما فيها ثم أعدته له وعدنا من السفرة وانتهى كل شيء. لكن الذي حصل هو أنه واصل تردده على كلية الحقوق، قرب الجسر الحديدي، غير بعيد عن دار المعلمين. وفي كل مرة يأتيني بمغلف يسلمني إياه باليد، أو يبعثه بيد أحد من الزملاء».
كانت المغلفات تحمل قصائد غزلية جديدة لسياب، مكتوبة بخط جميل معتنى به، منها «أنشودة المطر» و«يا هواي البكر» و«نشيد اللقاء». وفي بعضها سجل الشاعر مكان كتابتها، مثل «أبي الخصيب» في البصرة، أو تاريخ الكتابة، مثل «ذكرى مساء 7 نيسان 1946». وهناك، أحيانا، هوامش يشرح فيها مفردة أجنبية وردت في القصيدة مثل «نغمة خفاقة تفنى على صدر البيان»، حيث شرح الكلمة الأخيرة بأنها تعريب لكلمة «بيانو».
كيف كان انطباعها الأول عنه؟ لا تتأنى السيدة في الجواب ولا تحاول انتقاء كلماتها: «في ذلك الوقت لم نكن نتطلع للشعراء، فهم في الغالب معدمون، نراهم في المظاهرات ونصفق لقصائدهم، لا أكثر، وحتى في المظاهرات فقد كان طلاب الحقوق وكلية الطب أشطر في الهتافات من طلاب دار المعلمين العالية. لقد كان السياب، كما رأيته يومذاك، شابا قصير القامة، مؤدبا، ذا صوت خفيض جدا، تنسدل ثيابه عليه مثلما تنسدل على علاقة الملابس، يرتدي قميصا وبدلة كما في تمثاله الموجود على كورنيش شط العرب في البصرة».
فيما بعد، حين أودى به المرض وهو في عمر مبكر، سعت لمعان البكري، التي كانت مديرة عامة في وزارة الإعلام خلال السبعينات، لإقامة مهرجان في البصرة لتكريم ذكرى بدر شاكر السياب، رائد الشعر الحديث. وقد كلفت النحات نداء كاظم أن ينحت للشاعر تمثالا أزيح عنه الستار في الأول من (يناير «كانون الثاني») 1971. أما الذي أزاح الستار فكان شاعرا آخر هو الوزير شفيق الكمالي. وتروي لمعان أن الفنانة وجدان ماهر الكنعاني، وكانت تعمل في قسم التصميم في الوزارة، التفتت نحوها أثناء مراسم رفع الستار، وهمست في أذنها: «هل تكفّرين عن ذنوبك بحق السياب؟».
في ذلك الوقت، لم تكن تشعر بالزهو لأنه كتب لها القصائد. لقد سحرت غمازتاها شعراء كثيرين نظموا لها أحاسيسهم شعرا. ولعلها تدرك اليوم قيمة تلك الوريقات التي احتفظت ببعضها وراح البعض الآخر مع ما راح من موجودات بيتها في بغداد. ومن بين ما عرضته علينا مخطوطة «يا هواي البكر»، التي كتب السياب في الصفحة الأولى منها، تحت العنوان: «لم تكن أهواؤه الأولى غير نزوات تموت مع اليأس. أما حبه الجديد فهو باقٍ رغم اليأس والحرمان... فهو هواه الأول».
هل كان هواه للميعة عباس عمارة شغف عابر، أيضا؟ حين تزوجت لمعان ولم تستجب لمشاعره، حمل عليها في قصيدة «أحبيني» الشهيرة، وقال: «وتلك كأن في غمازتيها يفتح السحر عيون الفل واللبلاب / عافتني إلى قصر وسيارة». وهي القصيدة التي شكا فيها من سبعٍ أحبهن ولم يحببنه كما كان يشتهي، بينهن لميعة «شاعرتي التي كانت لي الدنيا وما فيها». فماذا تستذكر عنه، في ذكرى رحيله، وهي في عزلتها البعيدة بمدينة ساندييغو على الساحل الغربي للولايات المتحدة؟ إنها تحاول أن تتفادى الموضوع لأن هناك من يتوهم أنها تستفيد من تلك الحكاية لتلميع صورتها. كأن صورة لميعة الشاعرة المرهفة وملهمة الأدباء تحتاج إلى تلميع.
أسألها إن كانت قد أحبت بدرا، كما أحبها، فتقول: «من الأكيد أنني كنت أحبه، وقد كتبت له شعرا، وتأثرت كثيرا بصداقتنا التي لم تكن أكثر من علاقة بريئة ومحلقة ومبدعة. وهي قد كانت فترة غنية جدا في حياة بدر، توقفت تقريبا فيها عن كتابة الشعر، طيلة الفترة التي عرفته فيها، وكنت مكتفية بدور الملهم والمستمع والناقد والرفيق والصديق. كنت الأم والحبيبة، فكان إنتاجي قليلا وإنتاجه غزيرا. وكنت سعيدة بصداقته وراضية. لكنه كان شكوكا لا يثق في النساء ولم يصدق أنني أبادله مشاعره. وأنا لست مطالبة بأن أقسم له بالأيمان الغليظة أني أحبه. فقد كان لي غروري وكبريائي وثقتي بنفسي والدلال المعروف عن العراقية، المرأة التي يلهث وراءها الرجل فلا تبدي مكنون ضمير وتبقى المترفعة. ولعله تصور أنني أحب الشاعر فيه فحسب، وأنا أحببته كإنسان. وكنت أستمتع برفقته وبالنكتة التي كان يطلقها وبالذكاء اللماح الذي يلتقط به كلماتي وبالتفاهم العظيم بيننا. كنا نستخدم لغة خاصة في الحديث، مختصرة وعميقة وجد صادقة. وكان ما بيننا لعبة أذكياء وتواطؤ موهوبين. إنها فترة من أثرى فترات حياتي العاطفية، بقينا سنتين معا، وأثناءهما كنا نتراسل، وقد دعاني لزيارته في قريته جيكور ولبيت الدعوة بصحبة خالي عبد الرزاق جودت، وبقينا ضيوفا في بيتهم ليلة واحدة، وقمنا بجولة نهرية كان خلالها يقرأ لنا الشعر».
وصلت إلي من لميعة عباس عمارة، بالبريد، مجموعة مغلفات تضم أوراقا تخصها وصورا من حياتها الحافلة وكتابات بخط يدها، منها ما قد يكون منشورا ومنها ما لم أقرأه من قبل. وبين الأوراق عثرت على ما تؤرخ فيه لعلاقتها بالسياب، حيث كتبت: «كنت أتوقع أن ألتقي بشاعر. ليست نبوءة إنما أمنية. وكنت أظن، وأنا في الثانية عشرة من عمري، أن الشعراء يسكنون في الكتب ولا يسيرون على الأرض. وفجأة التقيته. يمشي مع الناس، نحيلا يحمل أزهاره الذابلة (في إشارة إلى ديوانه «أزهار ذابلة») ويشتم حبيبته السابقة وينتظر المجهولة الآتية. وقد جاهدت أن أكون صديقا (تستخدم صيغة المذكر ولا تقول صديقة) أشاركه إعجابه بالجميلات وأستمع لما يكتب فيهن. وقلت لأستاذنا في علم النفس، محمد النحاس، إن المريض شفي من تشاؤمه وكآبته ولكني أخشى عليه من مرض أشد. ابتسم أستاذي وقال إن هذا المرض هو ما يحتاج إليه الشاعر».
في قصاصة أخرى غير مؤرخة، نقرأ: «اليوم يمر خمسون عاما على لقائي ببدر. طالبة في الصف الأول من كلية دار المعلمين العالية، فرع اللغة العربية، وطالب في الصف الثالث فرع اللغة الإنجليزية، نحيف رقيق حساس هادئ وعصبي المزاج، أحيانا. يدخن ويشرب الشاي ويلقي شعره في حديقة الكلية، جالسا على المقاعد الخشبية محاطا بالطالبات والطلاب. يقرأ بصوت جهوري معبر وبتأثر شديد، تسعفه كفان من الجلد والعظم. عيناه صغيرتان وأذناه كبيرتان. له جبهة عريضة وشعر سبط بني يميل إلى السواد وأنف فيه شيء من الكبر (تشطب الكاتبة على هذه الكلمة الأخيرة) وذقن راجع إلى الخلف. وهو حين يبتسم تبدو أسنانه العريضة وشيء من اللثة الرمادية من أثر التدخين. بسيط نظيف في ملبسه. محط اهتمام زملائه. ينظر وكأنه لا يرى وهو يدقق في كل ما يراه وبخاصة الفتيات الجميلات السافرات من بنات الذوات، حيث الأسر المثقفة والمترفة تبادر بالسماح لبناتها بدخول الكلية المختلطة، بعكس الطلاب الذين تدفعهم الحاجة واستعجال الوظيفة لدخول هذه الكلية».
وعودة إلى السؤال حول «أنشودة المطر»، القصيدة التي اختارها عنوانا لديوانه الصادر عام 1962، من هي الملهمة؟ تجيب لميعة في حديث هاتفي معها، مؤخرا: «لقد قرأ علي بدر المقاطع الأولى (عيناك غابتا نخيل) ثم أكمل عليها، فيما بعد، (أنشودة المطر). وكان لقائي به بعد أن انتهت علاقته بلمعان البكري. وأذكر أنها كانت قد طلبت صياغة سوار جميل من الذهب، منقوش عليه مطلع القصيدة. لقد التقيت السياب بدرا بعد أن كان قد قطع علاقته بها وقسا عليها بقصيدته (لعنات)، وكنت أجادله فيها وأقول: لا يجوز أن تلعن المرأة التي أحببت وأوحت لك بأحلى القصائد. لا ترمِ حجرا في البئر التي شربت منها. وكان يحقد عليها لأنها اختارت أن تقترن برجل ميسور. وكنت أسعى لتخفيف ذلك الحقد لأنني أعرف طبعه وأعرف أنه من الممكن أن يحب أي طالبة تجلس بجانبه أو تستمع لقصيدة أو تصفق له، وبالتالي يتصور أنها تحبه ويجب أن تتزوجه. لم يفهم أن الحب لا علاقة له بالزواج. والفرق بيننا أنني كنت أبحث عن الحب وهو عن زوجة. وعقدته أنه فقير ولم يتقبل أن فتيات بغداد لم يكنّ يبحثن عن شاعر يكتب لهن القصائد بل عن زوج له مستقبل».
من يعُد إلى دواوين السياب ولميعة عباس عمارة يجد حوارات شعرية واضحة بينهما وأصداء تتردد في هذا البيت أو ذاك، فهو يكتب: «سوف أمضي / أسمع الريح تناديني بعيدا». ونقرأ في قصيدة «شهرزاد» للميعة: «ستمضي فمن لي بأن أمنعك؟ / ستمضي فهل لي أن أتبعك؟ / فقلبي وشعري وعمري سدى / إذا لم أمتع بعيشي معك». وقد كتب السياب قصيدة «نشيد اللقاء» التي نجد صداها في قصيدة «شهرزاد» ذاتها: «سأهواك حتى تجف الدموع / بعيني وتنهار هذي الضلوع / ملأت حياتي فحيث التفت / أريج بذكرك منها يضوع / وفي ليلة من ليالي الشتاء / وقد لفني وفتاتي غطاء / سأرنو إلى الباب مرتاعة / وأتلو عليها (نشيد اللقاء)». ثم يعود السياب في قصيدة بعنوان «نهاية» ويردد صدى قصيدة لميعة قائلا في أحد المقاطع: «سأهواك حتى... نداء بعيد / تلاشت على قهقهات الزمان / بقاياه في ظلمة في مكان / وظل الصدى في خيالي يعيد / سأهواك... ما أكذب العاشقين / سأهوا... نعم تصدقين».
الغريب أن مخطوطة «نشيد اللقاء» موجودة، اليوم، لدى لمعان البكري. كما أن أكثر من طالبة من زميلات السياب نسبت «أنشودة المطر» إلى نفسها بعد رحيله وذيوع شهرته. فهل كان الشاعر ماكرا أم أنه كان رحب القلب والقريحة، يلتقط إلهامه من كل وجه صبوح يلوح أمامه ولا يخلص إلا لربة الشعر؟

السبت، 25 أكتوبر 2014


كأس بيرة إلى البحّار حنّا


«إيطاليا 90» لـ «ماكي» ــــ بريطانيا
علي بدر
view counter
بثلاث ساعات، وخمس كؤوس بيرة «غينيس»، والعديد من سجائر «المارلبورو»، روى لي حنّا قرناً كاملاً من تاريخ عائلته في مدينة البصرة.
كنت قد التقيت حنّا أول مرة عام 2003 في مقهى «الهافانا» في دمشق. كان يقرأ صحيفة لم أسمع باسمها من قبل، تختصُّ بعالم البحار، ويجلسُ قبالة الفاترينة المواجهة لجسر فكتوريا، ينتظر حدثاً ما. ثمّ التقيته بعد عامٍ في بار صغير في بروكسل، أو بالأحرى حانة المهاجرين التي تقع قرب محطة قطارات الشمال «لا ستاسيون دو نور»، حيث يقع حي العاهرات البلغاريات والرومانيات في سكاربيك.

وكنت قد فوجئت بعامل البار التركي، بصديريته الخضراء، وشاربيه الكبيرين، وقد وضع له زجاجة النبيذ على الطاولة وأطلق عليه لقب: البحار القديم. اللقب ذاته الذي كنت قد أطلقته عليه أول مرة، عندما رأيته في دمشق، بعد يومين من اجتياح العراق.
بعد عام من ذلك اليوم، كنت قد عرفت من أشخاص عديدين، أنه روى لرواد البار قصة حياته أكثر من مرة، وحكى لهم أكثر من مرة كيف كان بحاراً في ميناء البصرة في السبعينيات. وعرفت ممن كانوا يرتادون مقهى المهاجرين، أنه روى لهم كل شيء عن تاريخ عائلته: بنات أخ، أبناء عم، أخوات، أجداد، أسلاف… قال لهم إن بعضهم يعيش الآن على شاطئ معزول من ضواحي كاليفورنيا في أميركا، وبعضهم مهاجرون في أستراليا، وبعضهم في استوكهولم، أما الباقون فهم في البصرة، ميناء هذا البلد المنهك، حيث يمكن توقع حدوث الأسوأ دائماً.

■ ■ ■
بعد رحيله إلى لندن، اعتاد الجلوس في حانة إنكليزية رخيصة في حي سوهو، يعرفها جميع المهاجرين تقريباً، وما أن يدخل، حتى يصرخ:
كأس بيرة «غينيس» إلى البحار القديم...
- كم سعر الكأس...
- ثلاثة باوندات...

■ ■ ■
اعتاد البحار القديم أن يتحدث لزبائن الحانة عن قصة حبه عام1977، حين كان بحاراً على ظهر الباخرة تموز التي تمخر عباب الخليج وتصل إلى أفريقيا.

عجوز يشبه عجوز همنغواي، كان مسحوراً بمشاهدة تساقط المطر على زجاج الحانة


يقول للنساء الإنكليزيات إنه ضاجع الآسيويات مرات عديدة
تحدث عن ملابسه البيض المخططة بالأزرق التي يرتديها البحارة العراقيون عادة، عن شبابه اليافع، وهيام النساء الزنجيات به حينما وصل أول مرة إلى خليج
كوبا.
وقف أمام النادل مرة وتحدث عن جنوح الباخرة في بومباي، وكيف رأى الرمل المتألق في شمس الصباح على الخليج الهندي، وقارن المناخ هناك بالأمطار في بانكوك، حيث كان حارس الميناء العجوز يرتدي معطفه المطري، ويشير بالمصباح إلى السفن.
لم يكن ينسى أبداً ميناء طنجة، حين جلس مرة على المرسى، حيث كانت سخونة الليل تصعد آتيةً من الأعماق، فتزيد من صلابة أجساد النساء على الساحل، وترسخ الشهوات على الأفخاذ.
كان يجلس كل يوم في الحانة متسلحاً بالخريطة والقمباص، في ساعة الغداء على الدوام، حيث تضج البارات الإنكليزية في سوهو بالموظفين الذين يرتدون البدلات والأربطة. يخرج حنا لهم الخريطة ويفرشها على الطاولة، يؤشر بيده على بقعة سوداء وسط محيط أزرق. يقول لهم: انظروا هنا. هذه آسيا. يشرب من كأس البيرة الكبيرة حتى تدمع عيناه، ثم يمسح شاربيه بيده. من هنا تهب الرياح الموسمية، إنها رياح الشرق المصحوبة بالخطر، حيث يغلق اليابانيون على أنفسهم داخل بيوتهم، محتمين بالسقوف المصنوعة من ورق الأشجار، ويتدثرون بفرشهم المؤرجحة المنسوجة من سعف السيزال.
يضحك الموظفون الإنكليز وهم يضعون الصحون أمامهم...
■ ■ ■
منذ سنوات بعيدة، وما زال البحار القديم يؤشر على بقعة سوداء على الخريطة، ويقول إن التايلنديين لا ينتظرون أحداً، لأنهم لا ينامون، فبلادهم هي مكان التربص الدائم، ونساؤهم كن يرصدنه في الليل كما لو أنه وعل فوق هضبة.
يقول حنا للنساء الإنكليزيات والمهاجرات، إنه ضاجع الآسيويات في حياته مرات عديدة، ضاجعهن وهن يصغين إلى الهمهمات الهاربة التي تحملها الرياح، وإلى البرد الذي يصعد من رمال الساحل، وإلى الرغبات الكامنة في باطن البحر، بينما خفافيشه تطير في الظلمة، صائحة في تيارات الهواء.

■ ■ ■
ها هو الآن أمامي رجل يشعر بالهزيمة والكآبة، بحار كان قد عرف البصرة وأضواءها في الليلة السابقة لٍلحرب مع إيران، عام 1980. وكان يحلم بمدينة عظيمة، وبفصل الشتاء فيها، وتساقط المطر على بيوتها الصغيرة.
لقد سافر كثيراً في البحر، ومرّ بمدن كثيرة، مدن ساحلية بيوتها ذات مداخن وسقوف قرميد مائلة، لكنه الآن مصاب بأرق دائم، ومجنون بمحيط كبير ومظلم، بعدما فقد شقيقه جوزيف النائب عريف في الحرب مع إيران، ومات والده ياقو الذي كان يربي الطيور في الخمسة ميل، ورحلت حبيبته الفتاة الغامضة التي كانت تعشق الأفلام المصرية إلى مكان مجهول، ثم انتحر صديقه، ذلك الشاب الذي لا يكف عن الحديث عن ولعه بالهروب من العراق إلى أوروبا، والذي كان يستحم كل ليلة في نهر دجلة، غير أنه اختفى في الموج ذات يوم، من دون أن يعرف أحد إن كان اختفاؤه هروباً أو انتحاراً...

■ ■ ■
بعد سنوات التقيته في موقف الباص. كان ثملاً تماماً، شعره أبيض ولحيته طويلة، ملابسه رثة، كان يعيش خيبة أمل كبرى بعد الحرب، ولا يجد مجالاً للتغيير إلا في استذكار أحداث كثيرة، منها وزراء العصر الملكي، وثورة عبد الكريم قاسم أواخر الخمسينيات، والعصر الذهبي للفرقة السمفونية العراقية، والقمع الذي عاناه الشيوعيون في سنوات السبعينيات، والمنشقون التروتسكيون الذين عارضوا التأثير السوفياتي... وقبل أن أصعد الباص أخذ مني سيجارة، أشعلها بيدين مرتجفتين، ورحل...

■ ■ ■
قبل أيام رأيته مرة أخرى في لندن، بحار عجوز يشبه عجوز همنغواي، يجلس في حانة إنكليزية في «إجوارد رود» تقع على مقربة من البازار العربي الذي يفتتح يوم الجمعة، كان مسحوراً بمشاهدة تساقط المطر على زجاج الحانة، وبسماع صوت بيبي كنيغ الذي ينبعث من زاوية معتمة، ويتلذذ بطعم البيرة الأيرلندية القوية التي دفع للنادل عنها ثلاثة باوندات من محفظته...ثم جلس عند النافذة وحده.
إنه بحار قديم، ترك خلفه بلداً متهالكاً من الحرب، من دون أن يكف عن الحلم بالعودة مرة أخرى إلى خليج البصرة...

كلمات
العدد ٢٤٢٧ الجمعة ٢٤ تشرين الأول ٢٠١٤

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

ملامح خريطة جديدة للشرق الأوسط
تحرير وترجمة: رشا سعيد
خاص لكتابات
   نشرت صحيفة "النيويورك تايمز" الأمريكية أمس الاثنين 29 سبتمبر، مقالا تحليليا للباحث والأكاديمي في معهد السلام الأمريكي، روبين رايت، Robin Wright يرسم فيه ملامح خريطة جديدة للشرق الأوسط، تتحدد من واقع الاضطرابات والحروب الأهلية والانقسامات الطائفية التي تضرب الشرق الأوسط العربي بالكامل منذ ما يقرب من أربع سنوات.
   حسبما يقول رايت، فإن الانقسامات لن تطال سوريا والعراق فحسب. وهما البلدان اللتان لطالما شهدتا اضطرابات سياسية وانقسامات على خلفيات إثنية وطائفية. بل إن هذه الانقسامات قد تطال دولا شبه مستقرة مثل المملكة العربية السعودية، إذ يشير رايت إلى أزمة انتقال السلطة في البلاد إلى جيل جديد، وأزمة البطالة، وقرب نفاذ مخزون النفط السعودي، وهي العوامل التي قد تثير كوامن النزاع هناك في المدى المتوسط.
- نص التحليل:
   خارطة الشرق الأوسط الحديث، محور النظام الدولي على المستويين السياسي والاقتصادي، في حالة يرثى لها. تعتبر الحرب السورية المدمرة نقطة تحول في هذا السياق. ولكن قوى الطرد المركزية للعقائد، القبائل، والإثنيات المتناحرة – معززة بتداعيات غير مقصودة للربيع العربي – تمزق الإقليم الذي تشكل قبل قرن مضى على يد القوى الاستعمارية الأوروبية، وناضل من أجله الأوتوقراطيون العرب منذ ذلك الحين.
   سيكون ظهور خريطة جديدة للشرق الأوسط تغيرا استراتيجيا لقواعد اللعبة بالنسبة للجميع تقريبا، ربما يعيد تشكيل تحالفات، تحديات أمنية، حالة تدفق التجارة والطاقة إلى كثير من دول العالم أيضا.
   الوضع الجغرافي لسوريا يجعل منها مركزا استراتيجيا للشرق الأوسط. ولكنه بلد معقد، غني بالتعددية الدينية والإثنية، ومن ثم هش. عقب الاستقلال، شهدت سوريا أكثر من نصف دستة انقلابات ما بين 1949 و 1970، عندما حازت عائلة الأسد السيطرة الكاملة. الآن، بعد 30 شهرا من نزيف الدماء، تحول التنوع إلى تناحر قاتل، يقتل الناس ويذبح البلد أيضا. انقسمت سوريا إلى ثلاثة أقاليم، كل منها له علمه وقواته الأمنية الخاصة به. يجري الآن تشكيل مستقبل جديد: دويلة صغيرة على امتدد الممر من الجنوب عبر دمشق، حمص، حماة حتى الشمال على ساحل المتوسط، تسيطر عليها الأقلية العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد. في الشمال، كردستان صغيرة، والتي تتمتع باستقلال ذاتي إلى حد كبير منذ أواسط 2012. والكتلة الأكبر وسط البلاد تسيطر عليها الأغلبية السنية.
   سيضع تفكك سوريا سوابق للإقليم، ولنبدأ بالجوار السوري. حتى الآن، قاومت العراق التمزق بسبب الضغط الخارجي، الخوف الإقليمي من مضيها في اتجاه مغاير وثروة النفط التي تشتري الولاءات، أقله على الورق. ولكن سوريا الآن تجذب العراق إلى دوامتها.
   ذكر مبعوث الأمم المتحدة مارتين كوبلر أمام مجلس الأمن في يوليو الماضي أن ساحات القتال تتداحل. وقال : "إن العراق هي الخط الفاصل بين العالميت الشيعي والسني وأن كل شئ يحدث في سوريا، بالتأكيد له تداعياته على الساحة السياسية في العراق".
   بمرور الوقت، ربما تشعر الأقلية العراقية السنية – أهم تكتلاتها في محافظة الأنبار، موطن الاحتجاجات المناهضة للحكومة – أنها أقرب إلى الأغلبية السورية السنية في الشرق. تمتد الروابط القبلية والتهريب عبر الحدود. معا، بإمكانهم تشكيل دولة "سنة ستان" مؤقتة أو رسمية. أما الجنوب العراقي فسيتحول بالضرورة إلى "شيعة ستان"، رغم أن الانفصال لا نتظر أن يتم بهذا الشكل المنظم.
   بين الحزبين السياسيين الكبيرين في المنطقتين الكرديتينفي سوريا والعراق اختلافات عميقة الجذور، ولكن عندما انفتحت الحدود في أغسطس، فر أكثر من 50 ألف سوري إلى كردستان العراق، لينشأ تجمعات كرديان عبر الحدود. كذلك، أعلن رئيس كردستان العراق، مسعود برزاني، عن خططه للقمة الأولى والتي تجمع 600 كردي من نحو 40 حزب في العراق، سوريا، تركيا وإيران نهاية هذا العام.
   قال، كمال القراقولي، المتحدث السابق باسم البرلمان الكردي، حول محاولة حشد الأكراد لمناقشة مستقبلهم: "إننا نشعر أن الظروف الآن مناسبة".
   لعبت أطراف خارجية طويلا بالشرق الأوسط: ما الذي كان سيحدث لو لم تقسم الأطراف الخارجية الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى؟ أو لو عكست الخريطة الحقائق والهويات الجغرافية؟ أغضبت الخرائط المعاد تشكيلها العرب، واعتبروها مؤامرات خارجية لتقسيمهم وإضعافهم مرة أخرى.
   لم أكن يوما ممن يلعبون بالخرائط. لقد عشت في لبنان أثناء حرب أهلية استمرت 15 عاما ورأيت أن بإمكانها البقاء من دون أن تنقسم إلى 18 قسما. كذلك، لم أعتقد أن العراق قد تنقسم أثناء الحرب الشريرة التي استمرت في 2006-2007. ولكن محفزات مزدوجة غيرت من تفكيري.
   الربيع العربي كان الشرارة التي أشعلت النيران. لم يرغب العرب فقط في الإطاحة بالدكتاتوريات، بل رغبوا في سلطة غير مركزية تعكس الهويات المحلية أو الحق في الموارد. بعدها وضعت سوريا قواعد المباراة لنفسها والحكمة التقليدية بشأن الجغرافيا.
   ربما يتم رسم الحدود الجديدة بطرق متفاوتة، وربما فوضوية. قد تنقسم البلاد إلى ولايات فيدرالية، تقسيم ناعم أو حكم ذاتي، ينتهي بانفصال جغرافي تام.
   كانت الانتفاضة الليبية بشكل جزئي ضد حكم معمر القذافي. ولكنها أيضا عكست رغبة    بني غازي في الاستقلاب عن طرابلس المهيمنة. تتباين القبائل هناك. تتجه القبائل الطرابلسية إلى المغرب، أو غرب العالم الإسلامي، بينما تنظر قبائل برقة باتجاه المشرق، أو شرق العالم الإسلامي. بالإضافة إلى هذا، تأخذ العاصمة أكثر من نصيبها في عائدات النفط، حتى لو كان إجمالي الإمدادات القادمة من الشرق أكثر من 80%.
   إذن قد تتفكك ليبيا إلى قطعتين أو ثلاث. أعلن المجلس الوطني في برقة استقلاله في يونية. كذلك فإن لجنوبي فزان قبائله المنفصلة وهوياته الجغرافية. أقرب في ثقافتها، قبائلها وهوياتها إلى الساحلية عن شمال إفريقيا، قد تنفصل أيضا عن ليبيا.
   تعاني دولا أخرى تفتقر إلى الهوية الجمعية والرابطة السياسية من الضعف، تكافح الديمقراطيات الناشئة كي تحيط الدوائر المتباينة بتوقعات جديدة.
   عقب الإطاحة بالدكتاتور اليمني، بدأت اليمن في حوار وطني متقطع في مارس لإرساء نظام جديد. ولكن في بلد مزقته طويلا احتجاجات الشمال وانفصاليوا الجنوب، فإن النجاح ربما يعتمد على تبني فكرة الفيدرالية – ووعد بالسماح للجنوب بالتصويت على الانفصال.
   ربما تكون الخريطة الجديدة أشد إثارة للاهتمام. يضج العرب حول تداخل جزء من الجنوب اليمني مع السعودية. معظم الجنوبيون من السنة، مثلهم مثل معظم السعوديون؛ الكثير منهم لهم عائلات في المملكة. بوصفهم أفقر العرب، فإن اليمنيين ربما يستفيدون من السعوديون الأغنياء. بدورهم، قد يحصل السعوديون على منفذ للتجارة على بحر العرب، الأمر الذي يقلص من اعتمادهم على الخليج العربي ويخفف من مخاوفهم بشأن سيطرة إيران الحقيقية على مضيق هرمز.
   الأفكار الأكثر إثارة تتعلق ببلقنة السعودية، في بلد جمع القبائل المتناحرة معا بالقوة بواسطة قبضة الإسلام الوهابي. تبدو المملكة آمنة ونحن ننظر إليها من زجاج الأبنية المرتفعة والطرق السريعة ذات الحارات الثمان، ولكنها لا تزال لديها ثقافاتها المختلفة، هوياتها القبلية المتمايزة والتوترات بين أغلبية سنية، وأقلية شيعية تتمركز أساسا في الشرق الغني بالنفط.
   تتعمق الإحباطات الاجاماعية بفضل الفساد المنتشر وبطالة تطال نحو 30% من الشباب في بلد منغمس في الملذات، ربما ستضطر إلى استيراد النفط خلال عقدين من الزمن. بانتقال العرش إلى جيل جديد، سيكون على آل سعود الدخول في عملية جدلية من إنشاء عائلة حاكمة جديدة تتألف من آلاف الأمراء.
   ربما تحدث تغيرات أخرى مؤقتة. المدن – الدول – واحات تجمع بين هويات مزدوجة مثل بغداد، جيوب مسلحة جديا مثل مصراتة، ثالث أكبر مدينة في ليبيا، أو مناطق تتمتع بحكم ذاتي مثل جبل الدروز في الجنوب السوري – ربما تعود مرة أخرى، حتى ولو كانت تكنيكيا داخل دول أخرى.
   بعد عقد من تشكيل المغامر والدبلوماسي البريطاني السير مارك سايكس والمبعوث الفرنسي جورج بيكو للإقليم، تجذرت الوطنية بدرجات متفاوتة في بلدان تشكلت وفق لهوي الإمبرياليين ومصالحهم التجارية وليس المنطق. السؤال الآن هو ما إذا كانت الوطنية أقوى من المصادر الأقدم للهوية وبإمكانها الصمود أثناء صراع أو مراحل انتقالية قاسية.
   يحب السوريون أن يدعوا أن الوطنية ستطفو على السطح فور انتهاء الحرب. المشكلة أن سوريا الآن بها وطنيات مزدوجة. "التطهير" مشكلة متنامية. وتعزز المدافع من الاختلافات. الانقسام الطائفي يرسم ملامح الانقسام بين السنة والشيعة بأشكال لم يشهدها الشرق الأوسط الحديث من قبل.
   ٍولكن عوامل أخرى قد تحمي الشرق الأوسط من الانقسام – الحكم الرشيد، التوزيع العادل للخدمات والأمن، العدالة، الوظائف وعدالة توزيع الموارد، أو ربما العدو المشترك. البلدان هي بالضرورة بمثابة تحالفات صغيرة بين سكانها. ولكن تلك العوامل تبدو أبعد عن العالم العربي. وكلما استعرت الحرب السورية، كلما كان عدم الاستقرار والمخاطر أكبر على الإقليم ككل.
* المصدر: New York Times.

الجمعة، 22 أغسطس 2014


يَا بْنادَمْ.. 
دادَه إبْهيده اعْلَى بَخْـتَكْ 
لا تِعِتْ بيهَا
روحي إنْـحَـلَتْ
والشوگ.. يَا بْنادَمْ ماذيهَا
ماچَنْهَا ذيچْ الروحْ.. يَا بْنادَمْ
ولا چَنْهَا كِلْهَا جروحْ.. يَا بْنادَمْ
والشوگْ ماذيهَا
شْـما لَـكْ تِعِتْ بيهَا .
تَسْيورَة ..
عمري وْياكْ يَابْنادَمْ
غَفْلَه وَ أخَذْني الطيفْ
وْ لَـنْـهَا بْـحَلاةْ النومْ
يَا بْنادَمْ
روحي عْـلَى روحَكْ ضيفْ
وَكْـفَه بْهواكْ سْنينْ
كَـيِّـفْ تَـرانَـي بْكيفْ
وْراكِـدْ بْروحي المايْ
ثـاريهَا غيمَةْ صيفْ.
بَچْيِّ الشموعْ الروحْ يَـابْنادَمْ
بَسْ دَمعْ مامِشْ صوتْ
رَفَّـتْ جِنِحْ مَكسورْ يابنادم
گلبي يِرِفْ بَسْكوتْ
لاهِـي سنَة وسنتين ياَبْنادَمْ
ولاهيَّ صَحْوَة موتْ
حَسْـبَةْ عمر عَطْشانْ
والمايْ حَدْرَه يْفوتْ

الخميس، 21 أغسطس 2014


‫#‏جيش‬ المجاهدين في العراق
١-جماعة سلفية، تأسست مطلع عام ٢٠٠٥، من إتحاد( كتائب الجهاد) في الموصل بقيادة الشيخ أبي معاذ الرفاعي، و(جيش الجهاد) في بغداد وصلاح الدين وكركوك والكرمة والفلوجة وناحية العامرية بقيادة الشيخ أبي سعيد العيساوي، و(سرايا الجهاد) في الرمادي وغرب الأنبار وديالى بقيادة الشيخ أبي علي الكربولي.. وأطلق عليه أسم جيش المجاهدين في العراق، وتم أختيار الشيخ أبي سعيد العيساوي أميرا له، والشيخ أبي معاذ نائبا له..
٢-جماعة ليست بتكفيرية، معظم تمويلها ذاتي، جاء من خطف بعض الصحفيين في عام ٢٠٠٥، لديها خبرات عسكرية من ضباط الجيش السابق، مركز ثقلهم في عشيرتي البوعيسى والجميلة في الأنبار..
٣-لهم موقع إلكتروني بأسم( التمكين)، ولديهم ردود علمية واعتراضات منهجية على كتابات ومناهج تنظيم القاعدة منذ جيل الزرقاوي ولغاية الآن..
٤-في نهاية عام ٢٠٠٦ ألقي القبض على أمير الجيش أبي سعيد العيساوي من قبل الجيش الأمريكي، وأطلق سراحه بصفقة وساطة عام ٢٠٠٨ قام بها كل من الدكتور محمود المشهداني وأبي عزام التميمي، مقابل التعاون مع أنصار السنة جماعة سعدون القاضي والجيش الإسلامي في إنشاء الصحوات.. لكنه نكث بالإتفاق وخرج الى سورية ومن هناك أصبح يقود الجيش!!
٥-على أثر اعتراضات جيش المجاهدين على منهج القاعدة.. حدثت بينهم صدامات عديدة أولها في هوررجب عام ٢٠٠٦ وذهب ضحيتها (١٨) شخص من جيش المجاهدين، ثم في بهرز والبزايز والكاطون في ديالى ذهب ضحيتها قريب (٦٨) شخص من الطرفين..
٦- بسبب أعتقال الشيخ أبي سعيد أختلف الذين بعده على القيادة، فأنقسم الجيش الى ثلاث أقسام عام ٢٠٠٧، جيش المجاهدين في العراق بقيادة أبي فاطمة الشورتاني، وجيش المجاهدين المرابطين بقيادة أبي معاذ الرفاعي، وجيش المجاهدين( جماعة أبي جندل) بقيادة أبي علي الكربولي..
٧- منهجه السياسي يشبه منهج حارث الضاري فهم بالضد من تشكيل الصحوات والمشاركة السياسية والمشاركة الحكومية..وهم يختلفون مع الضاري باتباع منهج السلف وايضا هم مع مشروع إقامة الأقليم السني..تعتبر أقوى الفصائل المسلحة السنية المعتدلة في العراق..
٨- يجوزون قتل المليشيات والتشكيلات الشيعية المسلحة وهم يعملون على التصدي للمشروع الأيراني في المناطق السنية، ولم يثبت عليهم القتل على الهوية الطائفية أو المذهبية، مرحب بهم في الأردن وتركيا وقطر..
٩-حاليا يتواجدون في مناطق حزام بغداد الشمالي وكركوك ووسط الفلوجة والصقلاوية والبغدادي والكرمة وذراع دجلة وعامرية الفلوجة واليوسفية والسعدان والعرسان.. وقعت بينهم وبين جماعة البغدادي خصومات وجدل بسبب تواجدهم في اماكن مشتركة ورفضهم بيعة البغدادي.. وتصاعدت وتيرة الخلافات حتى أغتيل محمد سعيد الجميلي وهو احد أبرز قيادات جيش المجاهدين في السادس من تموز ٢٠١٤ في منطقة الكرمة..ومعه الطبيب ناجي العيساوي، واليوم ٢١ آب حدثت معركة واسعة في الكرمة واليوسفية على آثر استحواذ جماعة البغدادي على سيارة خاصة لجيش المجاهدين وقتل أحد الركاب وجرح أثنين، ومحاولة دولة البغدادي نزع السلاح منهم أو فرض البيعة للبغدادي!!
!

الأحد، 8 يونيو 2014

لن ينام العراقيون تلك الليلة

مشرق عباس


في الغالب لن تسنح لأحد فرصة النوم هانئاً في الليلة التي تسبق تقسيم العراق. سيتقلب اصحاب القرار في أسرّتهم طويلاً. انهاء دولة من الوجود تحت بند «القتل الرحيم» سيقض مضاجع الجميع، الجيران والقوى العظمى والدول التي تنتظر دورها على لائحة التقسيم، وقبل ذلك شعب هذه الدولة الذي سيصبح غداً شعوباً ودولاً، تنصب حدوداً، وتسك نقوداً، وتطبع بطاقات هوية، وتخوض حروباً جديدة للدفاع عن هذه البطاقات.
سيردد الشيعة والسنّة والأكراد عبارات متشابهة: «لم تعد هناك فرصة للتعايش معهم، بذلنا كل الجهود للحفاظ على العراق، لكن الآخرين دفعوا الأمور الى هذه النهاية».
لم تعترف طهران بسهولة بالدولة التي رسمتها حدود سايكس بيكو بداية القرن العشرين، حتى تركيا لم تعترف بها. كان على عراق فيصل بن الحسين ان يشق طريقاً صعباً لنيل شرعية الدولة من جارين، اعتبرا على امتداد خمسة قرون ان بلاد النهرين ليست اكثر من خط تماس عريض بين متحاربين، تماس لاستعراض القوة، ولاستنهاض المذاهب، وتبادل الأدوار.
ستعتبر طهران ان التقسيم يمنحها فرصة استعادة الجنوب الذي كان مطمعاً لتوسيع حدود الدولة الصفوية والقاجارية والبهلوية، قبل ان يغيّر الانكليز معادلات اللعبة، ويعيدها الأميركيون الى سياقها. ربما يقطع التقسيم حلم مد حدود ولاية الفقيه الى البحر المتوسط، لكنه يمنحها كنوز سومر ونفطها!
لن تسعى تركيا الى استعادة الموصل وكركوك، فلم تكن، وهي تعيد انتاج مطالباتها بالمدينتين كلما سنحت الفرصة، تقصد ضمهما، فالأمر لا يتعدى محيط النفوذ، الملعب، والحديقة الخلفية، «البعد الاستراتيجي» الذي انشغل داوود اوغلو لسنوات في الترويج له.
تعترف واشنطن بأخطائها ولكن ليس على طريقة جلد الذات، فالأخطاء حتى المدمرة، لا تعدو كونها «سوء فهم». هكذا حدث عندما أُبيد الهنود الحمر، وعندما أُعدمت هيروشيما وناكازاكي، وعندما احتُل العراق. التقسيم ليس اكثر من عرض جانبي، «نأسف له، لكننا ندعمه، وسنواصل جهودنا لضمان الديموقراطية في الدول الجديدة التي تتشكل غداً في الشرق الأوسط».
أوروبا غارقة في تناقضاتها، هي لا تنام كثيراً في الاساس، تحمّلت رعونة اميركا غرباً، وعدائية روسيا شرقاً، تدرك في قرارة نفسها ان الديموقراطية لن تنجح في حمايتها من مصير مشابه لمصير العراق ذات يوم.
سينام العرب وحدهم، ناموا أعوام 1920 و1958 و 1968و 1980و 1991و2003، وغطّوا في سبات لقرون سبقت هذه التواريخ. سينبري كتّاب الحكّام لتبرير الواقعة بلغة جنائزية: «المؤامرات اكبر من قدرتنا على الاحتمال، انهاء العراق قرار خارجي لم يُستشر العرب به، لدينا من المشاكل والمخاوف ما يكفي، ولا مكان للحزن على بلد عربي يمحى من الخريطة».
يقرر العرب انهم بذلوا قصارى جهودهم لإنقاذ العراق، قرأوا شعراً جيداً ونظّموا مؤتمرات باهظة للدفاع عن القومية العربية: «لا فائدة، انه بلد الشقاق، وربما يكون التقسيم خياراً مريحاً للجميع!».
وحدهم العراقيون سيقضون تلك الليلة الطويلة يحاربون طواحين الهواء، لن يكون ثمة متسع للبكاء على التاريخ، فلا قسمة غرماء ستستوعب ارث بابل، لن ينجحوا في توزيع مسكوكات أكد وأشور، لا وقت للحديث عن بغداد العباسية وحق ملكية شعر المتنبي، سيرددون بهوس عبارة واحدة: «ماذا سيحدث غداً؟» اعتادوا على الانكار، وجُبلوا على إهمال الأسئلة الأساسية مثل «وماذا سيحدث بعد غد!».
يُقنع زعماء الشيعة رعاياهم بأن نفط البصرة يجب ألاّ يُمنح لغير الشيعة، فعلوا ذلك مراراً في السنوات التي سبقت هذه الليلة: «امام الدولة الشيعية المستقلة مستقبل. انتم على اعتاب صنع اعظم دولة في التاريخ»، مهلاً... ألم يردد صدام حسين هذه الجملة قبل بضعة عقود؟ لا يهم من قالها. «المهم انها ستتحقق اخيراً، بجهود المدافعين عن الإسلام الحقيقي».
«الإسلام الحقيقي!»، عبارة يتداولها بإفراط ابناء الدولة السنية المجاورة ايضاً، او ما سيكون بعد ساعات دولة وينشد زعماؤهم بحماسة مفرطة: «سنتخلص اخيراً من ظلم الشيعة... نمتلك النفط والغاز ومفاتيح النهرين الى الجنوب... نؤسس دولة على قياسنا، شعارها الدفاع عما تبقى من الحدود الشرقية للأمة العربية».
يسعى الاكراد الى الدولة منذ عقود. قاتلوا من اجلها. دفعوا اثماناً للحفاظ على تميز هويتهم عن العراق العربي. ربما «كردستان الكبرى» تنتظر بضعة عقود اخرى، لكن كردستان العراق تمتلك كل امكانات الدولة، لتطوي صفحة هذا البلد، بأزماته وارتكاباته.
لن ينام العراقيون، في عيونهم الملح، وفي قلوبهم مخاوف وبعض ما تبقى من خجل مطمور تحت ركام الخرائب، تستوقفهم الأسئلة المؤجّلة: «مَنْ سيتركنا نؤسس الدول الجديدة؟ من قال انها ستكون دولاً حتى»؟
لا يمكن شيعة العراق الذين يمتد نفوذهم التاريخي والثقافي والقومي الى عمق «أهواز» إيران وسواحلها، حيث النفط واللغة والعشائر المنقسمة بين طرفي الحدود، ان يسلّموا ارض الجنوب لبلاد فارس بلا ثمن، لن يكون بامكان اكثر رجال الدين تعاطفاً مع الوحدة الشيعية، وأكثر السياسيين ترعرعاً في الكنف الايراني، اقناع شيعة العراق بمنع عائدات النفط عن السنّة والأكراد لمنحها الى الإيرانيين.
ماذا لو قررت البصرة ان نفطها لا تستحقه السماوة والديوانية وكربلاء؟ وماذا سيفعل السنّة؟ هل يعيدون تأسيس دولة «البعث»؟ ام الدولة الإسلامية في العراق والشام؟ هل هم مستعدون لحرب طويلة مع الأكراد والشيعة على الأرض والماء وحقول النفط المشتركة؟ مَنْ سيدعمهم، هل تهتم تركيا بما بعد حدود الموصل؟ وهل ينشغل العرب بما يحدث خلف الصحراء؟ وهل يرى الأكراد حقاً ان بمقدورهم إنهاء تقاسم النفوذ الإيراني– التركي على أرضهم بقرار سياسي؟ هل يمكن من دون الوضع الجيوسياسي الحالي تحقيق توازن بين تشكيل الدولة وتطمين طهران وأنقرة بأن لا «كردستان كبرى» ستقضم حدودهما الحالية؟
لن ينام العراقيون تلك الليلة، ولا الليالي التي تليها. ستطاردهم العلامات الحدودية وتقسو عليهم التأويلات. للمرة الأولى صار في إمكان المهزوم أن يكتب تاريخه، سيختارون بعد سهر طويل أن يقولوا لأحفادهم: «لم تكن لنا يد في كل ذلك... ما كان يُدعى العراق ضيّعته المصادفات»!

الأربعاء، 4 يونيو 2014


القوّاد أكثر شرفاً .
هذه القصة واقعية حدثت في الستينيات من القرن الماضي . يرويها لنا أحد سائقي التاكسي الذين كانوا يعملون في بغداد وبالتحديد مابين منطقتي الباب الشرقي وباب المعظم . كانت منطقة الميدان والقريبة من منطقة باب المعظم معروفة لأهالي مدينة بغداد بوجود أكثر من بيت للدعارة فيها . يروي لنا سائق التاكسي بأنه في أحد الأيام وبينما كان يحمل راكباً من الميدان الى باب الشرقي ، حاولت إمرأتين أن توقف السيارة . عندها صاح الراكب بسائق التاكسي : عمي لا توگف لا توگف وآني أنطيك كروتهم . إستغرب سائق التاكسي لهذا الطلب ولكنه عمل بنصيحة الراكب ومضى في طريقه . وعند الوصول الى منطقة الباب الشرقي ، أخرج الراكب نقوده وحاول أن يدفع أجرته مع أجرة الإمرأتين . عندها قال له سائق التاكسي : عمي بس گلي شنو السبب اللي ماخلّيتني أشيل النسوان وكروتهم على حسابي ؟ عندها ضحك الراكب وقال : عمي آني أشتغل گوّاد والناس كلها تعرفني وهذولة النسوان مبينين بنات أوادم ، أخاف أحد يشوفني وياهم ويظن السوء بيهم . عندها رفض سائق التاكسي من أخذ الفلوس من الراكب لشهامته.
LikeLike ·  · 

الاثنين، 2 يونيو 2014


عبد الرزاق عبد الواحد
دَمعٌ لبغداد.. دَمعٌ بالمَلايينِ
مَن لي ببغداد أبكيها وتبكيني؟
مَن لي ببغداد؟.. روحي بَعدَها يَبسَتْ
وَصَوَّحتْ بَعدَها أبهى سناديني
عدْ بي إليها.. فقيرٌ بَعدَها وَجعي
فقيرَة ٌأحرُفي.. خرْسٌ دَواويني
قد عَرَّشَ الصَّمتُ في بابي وَنافِذَتي
وَعششَ الحُزنُ حتى في رَوازيني
والشعرُ بغداد، والأوجاعُ أجمَعها
فانظرْ بأيِّ سهامِ المَوتِ ترميني؟!
***
عدْ بي لبغداد أبكيها وتبكيني
دَمعٌ لبغداد.. دَمعٌ بالمَلايين
عُدْ بي إلى الكرخ.. أهلي كلهُم ذُبحُوا
فيها.. سأزحَفُ مَقطوع َالشرايين
حتى أمُرَّ على الجسرَين.. أركضُ في
صَوبِ الرَّصافةِ ما بينَ الدَّرابين
أصيحُ: أهلي... وأهلي كلهُم جُثثٌ
مُبعثرٌ لَحمُها بينَ السَّكاكين
خذني إليهم.. إلى أدمى مَقابرِهم
للأعظميةِ.. يا مَوتَ الرَّياحين
وَقِفْ على سورِها، واصرَخْ بألفِ فم
يا رَبة َالسور.. يا أُمَّ المَساجين
كم فيكِ مِن قمَرٍ غالوا أهلتهُ؟
كم نجمَةٍ فيكِ تبكى الآنَ في الطينِ؟
وَجُزْ إلى الفضلِ.. لِلصَّدريَّةِ النحِرَتْ
لحارَةِ العدلِ.. يا بؤسَ المَيادين
كم مَسجدٍ فيكِ.. كم دارٍ مُهدَّمَةٍ
وَكم ذ َبيح عليها غيرِ مَدفون؟
تناهَشتْ لحمَهُ الغربانُ، واحترَبَتْ
غرثي الكِلابِ عليهِ والجراذينِ
يا أُمَّ هارون ما مَرَّتْ مصيبتنا
بأُمةٍ قبلنا يا أُمَّ هارونِ!
***
أجرى دموعاً وَكبرى لا يُجاريني
كيفَ البكا يا أخا سبْع ٍوَسبعينِ؟!
وأنتَ تعرفُ أنَّ الدَّمعَ تذرفهُ
دَمعُ المُروءَةِ لا دَمعَ المَساكين!
***
دَمعٌ لفلوجةِ الأبطال.. ما حَمَلتْ
مَدينة ٌمِن صِفاتٍ، أو عناوين
للكِبرياءِ.. لأفعال ِالرِّجال ِبها
إلا الرَّمادي.. هنيئا ًللمَيامين!
وَمرحبا ًبجباه لا تفارِقها
مطالعُ الشمس في أيِّ الأحايين
لم تألُ تجأرُ دَباباتهم هلعا
في أرضِها وهيَ وَطفاءُ الدَّواوين
ما حَرَّكوا شَعرَة ًمِن شيبِ نخوَتِها
إلا وَدارَتْ عليهم كالطواحين!
***
يا دَمعُ واهملْ بسامَرَّاء نسألها
عن أهل ِأطوار.. عن شمِّ العَرانين
لأربعٍ أتخمُوا الغازينَ مِن دَمِهم
يا مَن رأى طاعنا ًيُسقى بمَطعون!
يا أُختَ تلعفرَ القامَتْ قيامَتها
وأُوقدَتْ حولها كلُّ الكوانين
تقولُ برلين في أيام ِسطوَتِها
دارُوا عَليها كما دارُوا ببرلين
تناهبُوها وكانتْ قرية ًفغدَتْ
غولا ًيقاتلُ في أنيابِ تنينِ!
***
وَقِفْ على نينوى.. أُسطورَة ٌبفمي
تبقى حُروفكِ يا أٌمَّ البراكين
يا أُختَ آشور.. تبقى مِن مَجَرَّتهِ
مَهابَة ٌمنكِ حتى اليوم تسبيني
تبقى بوارِقهُ، تبقى فيالقهُ
تبقى بيارِقهُ زُهرَ التلاوين
خفاقة في حنايا وارِثي دَمه
يحلقونَ بها مثلَ الشواهين
بها، وَكِبرُ العراقيين في دَمِهم
تداوَلوا أربعا ًجَيشَ الشياطين
فرَكعُوه ُعلى أعتابِ بَلدَتهم
وَرَكعُوا مَعهُ كلَّ الصَّهايين!
***
يا باسقاتِ ديالى.. أيُّ مَجزَرَة
جَذَّتْ عروقكِ يا زُهرَ البَساتين؟
في كلِّ يَومٍ لهُم في أرضِكِ الطعِنتْ
بالغدرِ خِطة أمْن غيرِ مأمون
تجيشُ أرتالهُم فوقَ الدّروع بها
فتترُكُ السوحَ مَلأى بالقرابين
وأنتِ صامِدَة ٌتستصرِخينَ لهُم
مَوجَ الدِّماءِ على مَوج ِالثعابين
وكلما غرِقوا قامَتْ قيامَتهم
فأعلنوا خطة أُخرى بقانون!
***
يا أطهرَ الأرض.. يا قدِّيسة َالطين
يا كربلا.. يا رياضَ الحُورِ والعِين
يا مَرقدَ السيدِ المَعصوم.. يا ألقاً
مِن الشهادَةِ يَحمى كلَّ مِسكين
مُدِّى ظِلالكِ للإنسان في وَطني
وَحَيثما ارتعشتْ أقدامُهُ كوني
كوني ثباتاً لهُ في ليلِ مِحنتهِ
حتى يوَحدَ بينَ العقلِ والدِّينِ
حتى يَكونَ ضَميرا ًناصِعاً، وَيَداً
تمتدُّ للخيرِ لا تمتدُّ للدُّون
مَحروسة ٌبالحُسَينِ الأرضُ في وَطني
وأهلها في مَلاذٍ منهُ ميمون
ما دامَ في كربَلا صَوتٌ يَصيحُ بها
إنَّ الحُسينَ وَليٌّ للمَساكين
***
يا جرحَ بَغداد.. تدرى أنني تعِبٌ
وأنتَ نصلٌ بقلبي جدُّ مَسنونِ
عدْ بي إليها، وَحَدِّثْ عن مروءَتها
ولا تحاولْ على الأوجاع تطميني
خذني إلى كلِّ دارٍ هدِّمَتْ، وَدَم
فيها جرى، وَفم ٍحرٍّ يناديني
يَصيحُ بي أيها الباكي على دَمِنا
أوصِلْ صَداكَ إلى هذى المَلايين
وقلْ لها لمْلمي قتلاكِ وأتحِدى
على دِماكِ اتحادَ السين والشين
مِن يومِ كانَ العراقُ الحُرُّ يَغمُرُهُم
حباً إلى أن أتى مَوجُ الشعانين!
***
دَمعٌ لبغداد.. دَمعٌ بالمَلايين
دَمعٌ على البُعدِ يَشجيها وَيَشجيني
Like ·  · 

الأحد، 25 مايو 2014

ذكرى استعادة الجيش الإيراني المحمرة (خرمشهر) وانهزام جيش صدام من وجهة نظر إيرانية
ON MAY 24, 2014 AT 11:01 PM /
ذكرى استعادة الجيش الإيراني المحمرة (خرمشهر) وانهزام جيش صدام من وجهة نظر إيرانية
خرمشهر بعد تحريرها من قبل القوات الايرانية- الصورة من وكالة فارس
لندن-قريش
شكلت معارك احتلال الجيش العراقي لمدينة المحمرة المعروفة في ايران باسم خرمشهر مفصلاً مهما ً في الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثماني سنوات (١٩٨٠-١٩٨٨). وتصادف في الرابع والعشرين من كل عام ذكرى استعادة القوات الايرانية لمدينة خرمشهر الذي أصبح يوماً وطنياً ايرانياً للمقاومة . وتعد تلك المعركة أول نكسة كبيرة لقوات الرئيس الراحل صدام حسين واول انتصار لقوات الإمام .
الراحل آية الله الخميني
قريش تنشر وجهة النظر الإيرانية في تسلسل تلك المعارك التي انتهت بمعركة استعادة خرمشهر في ٢٤ أيار ١٩٨٢ وذلك حسب ما أوردته وكالة فارس الايرانية وتنتظر من القادة العراقيين الذي شهدوا تلك الحرب ومعركة المحمرة خاصة أن يدلوا بدلوهم في وصفها .
وهنا النص الايراني :
خرمشهر رمز مقاومة الشعب الايراني في حرب السنوات الثمانيتصادف اليوم الذكرى السنوية لتحرير خرمشهر من براثن قوات نظام “صدام” التي عاثت في المدينة فسادا خلال 19 شهرا من احتلالها في 1980، وبهذه المناسبة نستعرض مقتطفات من مراحل تحريرها التي اطلق عليها عمليات بيت المقدس.
طهران (فارس)
ميناء خرمشهر المطل على السواحل الشمالية للخليج الفارسي كان هدفا مهما لقوات نظام صدام حسين لدى دخولها الاراضي الايرانية بهدف اسقاط النظام الثوري الايراني الناشئ في عام 1980 الا ان مقاومة القوات الشعبية والحرس الثوري بمساعدة الجيش جعل هذه المدينة رمزا خالدا في حرب السنوات الثمانية.
في شهر ايلول / سبتمبر انطلقت صفارات الإنذار في طهران بعد انتهاك المقاتلات العراقية للاجواء الايرانية وقصفها عددا من المطارات في العمق الايراني لتعلن بدء حرب طاحنة استمرت 8 سنوات.
ظن الجيش العراقي ان غاراته الجوية ستنهي وجود سلاح الجو الايراني في اليوم الاول للحرب مايسهل التوغل بسهولة في الاراضي الايرانية مستخدما نفس خطة الكيان الاسرائيلي في حرب حزيران عام 1967 ضد الجيش المصري آنذاك الا ان خطته باءت بالفشل.
وتصور صدام في بداية الحرب، بحسب معلومات استخبارية قدمها الغربيون، أنه سيتمكن خلال أيام من اعلان بيان انتصار جيشه.
وفي المراحل الاولى للحرب اكتسبت مدينة خرمشهر قيمة استراتيجية لدى الجيش العراقي لأنها كانت تعد بوابة الدخول إلى محافظة خوزستان الايرانية الغنية بالنفط.
بدأت القوات العراقية الغازية بإطلاق القذائف بكثافة وبصورة عشوائية على المدينة الحدودية الصغيرة مااسفر عن استشهاد حوالي 480 مدنيا من الاهالي خلال الايام الثلاثة الاولى للحرب فقط ، ورغم فداحة الخسائر وضعف التنظيم والتسليح وهول المفاجأة الا ان عشرات الشبان انخرطوا في عمليات مقاومة، ورغم عدم انتظامها واستخدامها اسلحة خفيفة استطاعت وقف تقدم عجلة الماكنة الحربية العراقية خلف اسوار المدينة لمدة 40 يوما قبل احتلالها باستخدام مئات الدبابات والمصفحات والقصف المدفعي والغارات العنيفة، واستمر هذا الحال حتى الاشهر الاولى من عام 1981.
وشكل عام 1981بداية للعمليات العسكرية الناضجة التي امتزجت فيها الخبرة العسكرية مع الحماسة الدينية والسياسية المفعمة بالأمل.
وسبقت عمليات تحرير خرمشهر القيام بعدة عمليات قامت بها القوات الايرانية كانت ابرزها عمليات ثامن الائمة التي نجحت في كسر الحصار عن مدينة آبادان المجاورة قبل اشهر من تحرير خرمشهر ماشجع القيادة العسكرية الايرانية على التفكير والتخطيط في القيام بعمليات عسكرية كبرى ترمي لطرد المحتل العراقي من آلاف الكيلومترات على طول المناطق الحدودية.
بدأت عمليات بيت المقدس في 22/ 5/ 1982 بالتزامن مع ذكرى بعثة الرسول صلى الله عليه وآله سلم في السابع والعشرين من شهر رجب ، واستهدفت استعادة هذه المدينة الإستراتيجية الهامة بالنسبة لايران باعتبارها تشكل منفذا حيويا للبلاد الى مياه الخليج الفارسي.
ونجحت العمليات بالفعل في تحرير خرمشهر على عدة مراحل. وقد ساهم في نجاح هذه العمليات عمليات سبقتها في منطقة دزفول بشمال محافظة خوزستان باسم “والفجر واحد.
1. بدء العمليات في غرب كارون (المرحلة الأولى 4/30/ 1982 )
لم يكن الجيش العراقي يظن أن القوات الايرانية ستنجح في نفس الوقت من اجتياز نهر كارون الذي يمتد في خوزستان ويقطع خرمشهر والوصول إلى طريق أهواز ـ خرمشهر بعملية واحدة حيث أن خسارته لهذا الطريق واستعادة أقسام منه كان سيكلفه غالياً. وحول هذه المرحلة تحدث احد قادة الحرس الثوري حول ظروف المعركة وقال :كانت الظروف صعبة جداً، ولكن لو كانت الأرض تفتح فماً نتيجة لضغوط العدو وتبتلع مقاتلينا، لما كان أحد منهم يفكر بالانسحاب.
استمرت المقاومة بصورة عنيفة خلال 48 ساعة وأخيراً تحقق وعد الله بالتثبيت والنصر. وسنحت الفرصة للقوات الايرانية العاملة لكي تتمكن من استكمال التحامها والعثور كل منها على مواضعها اللازمة للمرابطة والتغلب على نقاط الضعف، وسد المنافذ وإقامة السواتر الترابية لمنع العدو من القصف بنيران الدبابات المباشرة.
وفي جبهة كرخة نور، ورغم وجود الخطوط الدفاعية القوية للجيش العراقي الا ان بعض الجنود الايرانيين تمكنوا من احتلال الساتر الترابي الثاني للعدو بعد اجتياز نهر كارون.
وبقيت القوات الايرانية لمدة 48 ساعة وهي تصد هجمات العدو المضادة وبسبب عدم تمكن وحدات ايرانية أخرى من القيام بهجمات مشابهة، صدر إليها أمر بالانسحاب مؤقتاً وعدم البقاء بجناحين مفتوحين لأن ذلك كان سيعزز من قدرة مناورة العدو.
ولهذا السبب لم تحصل نتائج لافتة في المرحلة الأولى سوى تدمير قوات العدو. وبقيت القوات الايرانية في مواضعها الأولى تنتظر الأوامر لكي تقوم بالعمل على جهتين بالتزامن مع تهديد العدو من خلف الحدود بعد أن ضعفت قواته من اجل شطرها على قسمين.
2. المرحلة الثانية من العمليات (6/5/ 1982) (في غرب كارون)
بدأ هجوم القوات الايرانية المتمركزة على طريق أهواز ـ خرمشهر باتجاه الحدود ونجحت في التموضع على بعد 17 كم عن الشريط الحدودي ، واستبسلت في المقاومة أمام هجمات العدو الجنونية المضادة مامكنها من البقاء في مواضعها الجديدة لغاية اليوم التالي.
واثر الخوف الشديد من تغلغل القوات الايرانية الى خلف جبهة القوات العراقية جعل قادتها يصدرون الأوامر بالانسحاب فوراً رغم أنها كانت قد أقامت منشآت وطرق مواصلات بهدف البقاء الدائم في منطقة جفير بالشمال.
ولم تجد هذه القوات حلاً غير الفرار لإنقاذ الفرقة السادسة والقوات الأخرى المرابطة في تلك النواحي بل أن بقاءها في تلك المنطقة سينتهي إلى ارغامها على الاشتباك مع قوة ايرانية تجتاز نهر كرخة من الخلف على الشريط الحدودي.
وكان يعرف العدو بأنه لا يمكنه مواجهة هذا الوضع وأن نتيجته الإبادة وأسر الآلاف من قواته وتدمير معدات كثيرة منه والاستيلاء على كميات عظيمة منها. والعدو كان قد ذاق لدرجة كافية طعم الحصار وعملية الالتفاف القوات حول قواته وذلك خلال عمليات الفتح المبين السابقة، ولم يكن يرغب في تحمل المزيد من هذه النتائج المريرة.
من جهة أخرى، تصورت قيادة الجيش العراقي أن الانسحاب عن المنطقة مرغمة ستمكنها من تحشيد المزيد من القوات والمعدات في محور البصرة ـ خرمشهر للحيلولة دون سقوط خرمشهر ودفع التهديد المحتمل عن البصرة، فالاحتفاظ بخرمشهر كان هدفا مهما للعراق للتغطية على آثار الهزائم السابقة والاحتفاظ بورقة سياسية رابحة.
وفي الساعة الثالثة من فجر يوم (1982/5/8) شهدت ارض المعركة أسرع فرار للجيش العراقي من منطقة جفير وعقبته القوات الايرانية لتنتهي العلميات الى تطهير المنطقة منها بشكل كامل كما نجحت في الساعة العاشرة صباحاً من تطهير طريق أهواز ـ خرمشهر تطهيراً كاملاً لكل المناطق التي سقطت في المرحلة الأولى وبذلك اتصلت جميع القوات في الشمال مع الجنوب وهنا أصبح الارتباط التمويني يأتي عبر الطريق المعبد ما عزز وضع التموين بصورة ملحوظة.
وبعد أن ذاق العدو عار الفرار الا انه استطاع إنقاذ حشد كبير من قواته من الدمار، وموضعها على محور شلمجة ـ خرمشهر والطريق المعبد بينهما، وبدأ بتنفيذ هجمات مضادة عنيفة مع قصف مدفعي مستمر وغارات من قبل طائراته.
أما مجلس التعاون الخليجي فإنه وبعد أربعة أيام من البحث خلف الأبواب المغلقة لم يتوصل إلى نتيجة حاسمة بشأن مساعدة صدام بسبب عدم نجاح صدام في إيجاد الأجواء الكاذبة، وتأجل البحث إلى اجتماع الرياض. وبعد عدة أيام استعادت قواتنا من جديد مخفر الشهابي وانقلبت دعايات صدام ضده.
وبعد التمهيدات السابقة بدأت القوات الايرانية بالمرحلة الاخيرة من العمليات في الساعة التاسعة والنصف من 1982/5/22 لتحرير خرمشهر نهائياً. ونجحت القوات الايرانية في صباح اليوم الثاني في العبور من الجسر الجديد والوصول إلى ضفاف نهر اروند ومايسميه العراق شط العرب داخل اراضيه.
كانت خطة العدو الرامية لرفع الحصار عن قواته شن عمليات من غرب شلمجة الحدودية وشرق خرمشهر ولو قدر نجاحها كانت ستفضي إلى تدمير القوات الايرانية في منطقة عرايض وإقامة ارتباط بين القوات العراقية المحاصرة في خرمشهر وباقي القوات.
وأصدرت القوات العراقية التي كانت ترابط على شكل مثلث ابتداء من نهر كارون إلى خرمشهر الاوامر بالانسحاب، والاستعداد للمشاركة في العمليات. وخلال انسحابه دمر العدو كميات كبيرة من عتاده ومن جملة ذلك دمر مستودعاً للواء 48 المشاة ماكشف ضعف معنوياته في الاحتفاظ بخرمشهر.
واختلف العسكريون العراقيون المحاصرون حيث رأى فريق منهم عدم جدوى المقاومة ومالوا الى الاستسلام فيما رأى الفريق الثاني المقاومة، وكان العامل المؤثر في دعم وجهة النظر هذه، هو قائد القوات العراقية في خرمشهر العقيد أحمد زيدان آنذاك، إذ أنه كان يجري اتصالات مستمرة بواسطة لا سلكي بعيد المدى مع قائد الفرقة الحادية عشرة.
على كل حال واجه هجوم العدو من غرب (شلمجة) الفشل رغم إصرار القيادة العراقية عليه إصراراً كبيراً، وفي النهاية أجبر العدو على الفرار والانسحاب وقد مشى العقيد زيدان على ساحة ألغام وقتل ماجعل المقاومة شبه مستحيلة.
3- المرحلة الاخيرة من عمليات بيت المقدس..
في 1982/5/24 سلم عدد من الضباط والجنود العراقيين أنفسهم ومن ثم تبعتها أعداد أخرى بلغت الالاف، وأصبح طابور الذين سلموا أنفسهم 12400.

وفي الساعة الحادية عشرة من ذات اليوم عادت خرمشهر إلى أحضان ايران الإسلامية بعد عمليات استغرقت أقل من 48 ساعة أي منذ تحرك القوات الايرانية لمحاصرتها وتحقق الأمر الذي كان يبدو مستحيلاً في بداية الحرب.

السبت، 10 مايو 2014



الإفتاء السني والموقف من داعش
2014/5/10

بغداد/ واي نيوز
 المجمع الفقهي ومجلس علماء المسلمين والمفتي ودارالافتاء والوقف السني ودعاة المساجد مدعوون لتحديد موقفهم بشكل واضح مما يجري باسم الدين، وصدام داعش مع المجتمع السني وتبني آراء متشددة..
 المتتبع لأحوال مقاتلي داعش في العراق التي تلهج بالمتناقضات، وتعج بها وسائل التواصل الإلكترونية، يجدهم يعكفون على كتابات السباعي وياسرالزعاترة وعبد الحليم طارق وابو محمد المقدسي وابو بصير الطرطوسي وابو قتادة الفلسطيني والظواهري والبغدادي والجولاني.. وهؤلاء قد أساءوا في استنباط الأدلّة الشرعية، وانجرفوا وراء بدع الخوارج، بالبت في النوازل بلا دليل، يلوون أعناق النصوص، تبريراً لواقعهم المتطرف، ولا يتورعون في التجرؤ على دماء الخلق، واستصدار الفتاوى الشاذة المنكرة لصالح منهجهم التكفيري، فتتولاَّها وسائلهم الإعلامية، بعباءاتها المسَيَّسة، ليعبروا بها البلدان من غير ضابط ولا أهلية، فيُغَرِرون بالشباب المسلم؛ فيوصف الإسلام عندئذٍ بالتشدّد والغلوّ، والتطرفِ والإرهابِ!!
ومنذ تكشّفت أسرار داعش، صار واضحاً للجميع أنها تعمل لمن وعلى اي منهج هي باقية وتتمدد. والذين استمروا في تعاطيهم مع داعش، لا شك أنهم يعون كل الوعي بأنهم سيكونون مهرجين لهؤلاء الغلاة، نعم في صفوف داعش هناك شباب، ربما لم يكن يهمهم سوى أن ينالوا الشهادة، بغض النظر عن عقيدة ومنهج البغدادي وأمرائه.
 إن مواقع الفيس بوك وتويتر واليوتيوب التي تحظى باهتمام ومتابعة الشباب لا تخلو من عمليات تجنيد واضحة لاستغلال ما يُسمى بالجهاديين، لشحن عاطفة الشباب لميادين الجهاد..
 ولا ينكر أي مراقب تقصير علماء سنة العراق في الجهود المبذولة في إيضاح حقيقة المكفرة، وذلك منذ أن انزاح تنظيم القاعدة امام الصحوات عام 2008، نعم وجدت جهود للشيخ ابي المنار العلمي والشيخ فتحي الموصلي والشيخ ابي قصي الغريري في فضح فكر ومنهج التكفير، ولكن هذه الجهود تظل فردية، وأما المشايخ في الوقف السني الذين سكتوا عن محاربة التكفير ربما لأنهم يحملون أجندات سياسية، او لأنهم يخافون من بطش مقاتلي التنظيمات التكفيرية، او هم جزء من اطراف اللعبة، وهم الوجه الشرعي لأولئك الأمراء المتطرفين!!
لقد عمل نظام البعث ومنذ عهد الرئيس احمد حسن البكر على ان لا يجعل لسنة العراق مرجعية شرعية، بل المفتي اصبح في عالم النسيان والشعور السني به في مكان آخر.
المفتي في زمان البعث (صوفي قبوري) وينبغي ان يكون قريبا من الدوري، والمفتون انذاك هم من أمثال عبداللطيف الهميم وعبد الرزاق السعدي وعبد الغفار العباسي وعبد السلام الكبيسي، والواحد من هؤلاء محاط بمجموعة من المخابرات والأمن الصدامي، وهم من يفتون في اذنه ويقولون له ماذا يفعل وكيف يتصرف وبما يفتي!!
 منذ عام 2004 حاول الشيخ حارث الضاري الإخواني، وضع اليد على صفة الافتاء، لسنة العراق، من خلال زعامته (هيئة علماء المسلمين)، لكنه حين خرج عن رؤى الاخوان وخطهم السياسي نبذه معظمهم، فترك العراق الى اليوم، وتركه غالب سنة العراق لسلبية فتاويه، ودفاعه عن القاعدة ومقاتلي الفكر التكفيري، في اكثر من حوار على قناة الجزيرة وغيرها..
 حاول الاخوان بعد الضاري وضع يدهم على صفة الإفتاء لسنة العراق مرة اخرى من خلال مجلس علماء العراق لكنهم فشلوا، فجاءوا على راس المجمع الفقهي بالعلامة احمد حسن الطه المتقارب معهم، وهم يراهنون على دعم الوقف السني للمجمع الذي فيه خيرة علماء وشيوخ اهل السنة (الاخوان والسلفية والصوفية) وأنهم راهنوا على نجاحه، ولكن المؤسف ان ثمن الصورة التي صنعها البعث لمفتي سنة العراق، افشال مشروع صناعة أكثرية سنية تتبع وتلتف حول مرجعية شرعية سنية متمثلة بالمجمع الفقهي لكبار علماء سنة العراق، وايضاً وقد مضى عام على تاسيس المجمع الفقهي ولم يصدر فتوى او بيان ضد الفكر التكفيري بالتحذير منه او بالتعريف به!..
اما السلفية فكانت لهم مغامرة في صناعة دار إفتاء خاص بهم نهاية عام 2003، جاء بها الشيخ العلامة صبحي السامرائي والشيخ عبدالحميد الراشدي والدكتور محمود المشهداني والدكتور فخري القيسي والشيخ مهدي الصميدعي والشيخ عبدالستار الجنابي وبدعم معظم الهيئات الشرعية للفصائل المسلحة السلفية، وأسسوا (الهيئة العليا للدعوة والإرشاد والفتوى) لكنهم فشلوا لأسباب عديدة من ابرزها، التمويل كونهم ليس لديهم دعم من الوقف السني، وانشغال معظم شيوخ الهيئة بقتال الامريكان، وانقسامهم في موضوع العمل السياسي وحكم نازلة الجهاد وحكم كتابة الدستور وحكم الدخول في البرلمان والحكومة!
واما الصوفية؛ فهم منذ البداية اعتمدوا على تقاليد أسسها لهم نظام البعث في رئاسة دار الإفتاء المعروفة عندهم ب(مفتي الديار العراقية) حيث تولى بعد العلامة عبدالكريم المدرس الصوفي هذا اللقب اكبر تلاميذه الشيخ جمال عبدالكريم الدبان الذي ترأس دار افتاء الصوفية حتى عام 2007 وبعد وفاته تم اختيار الشيخ رافع الرفاعي، المشهور بمواقفه المناصرة لحزب البعث جناح عزة الدوري، والذي لم تصدر منه أية فتوى تندد بالفكر التكفير المتطرف!!
واما آلِ السعدي؛ فهم مع امتلاكهم ذخيرة العلم، والتقدم به، الا انهم عرفوا بنصرتهم لحزب البعث، وسعيهم وراء المال السياسي، وخير شاهد على ذلك فشلهم في قيادة الحراك الشعبي السني، وفتواهم في حرمة الانتخاب عام 2014.. ومتابعتهم لأهواء البعث، ولم يذكر عنهم موقف ضد الفكر التكفيري!!
واما الشيخ الدكتور احمد الكبيسي، فانه صاحب جرأة على الصحابة ولسانه في مدح الشيعة اكثر منه في السنة، افقده قبوله عند عامة سنة العراق.. فضلا عن تاريخه المتناقض بين فكر جماعة التحرير والفكر الإخواني والصوفي احيانا والتشيع السياسي في احيان اخر!!
من هشام الهاشمي