الأحد، 2 يونيو 2013


· هل الشيعة مضطهدون حقا ؟
· وما هي مواقعهم خلال حكم الرئيس صدام ؟ 
· د. نوري المرادي
 
جرى الحديث كثيرا عن مظلومية الشيعة، الأمر الذي اتخذ منه مبعثا لبيع العراق لأمريكا ومن ثم لإيران. ولابد مقدما من القول أن مذهب التشيع في العراق يؤخذ من فقهائه وأئمته البررة كالحسني البغدادي والخالصي والمؤيد ومن على خطهم . أما نحلة التلمودوصفويين بقيادة المراجع الأربعة ( الإيرانيين سستاني وسعيد حكيم، والأفغاني بشير والباكستاني الفياض ) ومعهم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة الإيراني عبد العزيز حكيم وابنه عمار، وحزب الدعوة بقيادة الباكستاني إبراهيم اشيقر المتسمي بالجعفري، فالتشيع من هؤلاء ومن معهم براء وما هم سوى نحلة تلمودوصفوية في التشيع والإسلام معا. وهم خارجون عن الدين، وسلوكهم ارتداد ما أتى الله به من سلطان .

وقد كان بالقرآن ورسول الله اسوة حسنة وكفى به ومنهج آل البيت شروعا. والقرآن أُشبِع تفسيرا. وسير الأئمة، والأنبياء أيضا، معلومة وبكل دقائقها. ولم يبق خلال 1400 عام من الدراسات والتمحيص ما سيعوز المسلم المؤمن في الحقوق والواجبات خارج القانون الوضعي .

ولكن وعلى غفلة من الزمن ظهر علينا تقليد ومرجعية لها من السلطة ما ليس لله ذاته. فالتقليد في التشيع نشأ عام 1917 وعلى يد الإيراني محمد صادق يزدي، وجعل المرجع الشيعي بمنزلة الحاخام الأعلى وأطره بأسماء لم ترد في التراث الشيعي، بل في المدرسة التلمودية فقط من اليهودية. فاللقب "روح الله" يعني أن المرجع شق من الله. واللقب "آية الله" يضع الملقب به بمنزلة الشمس والقمر واختلاف الليل والنهار. واللقب "حجة الإسلام والمسلمين" يجعل سلوك وقول المعني حجة ما بين مذاهب المسلمين وللمسلمين على غيرهم من الأديان، أي إنه يبطل ما عداه من الأديان والمذاهب. أما اللقب "قدس الله سره" فيعني العصمة في العمل والقول والتفكير. فضلا عن الإطناب المتضمن في اللاحقة "دام ظله الوارف" . كما للمرجع حق مناقضة القرآن والإفتاء بعكس ما يقوله.

وفتوى سستاني بالجنة للمنتخبين والنار للممتنعين شاهد والتي فيها صاغر الحدود بين الكفر والإيمان لتصبح مجرد ورقة انتخاب. ويزدي نتاج حوزة قم التي هي أصلا نتاج التوجه التلمودي في الإسلام والمبني على تأصيل شعور بالظليمة والاضطهاد، ليجري بها ابتزاز الآخرين، كالذي عند يهود على الملل الأخرى. وبالمناسبة، فحوزة قم، وبشهادة الإمام الخالصي، احتفلت وتوزعت الحلاوي واللحمان بمناسبة انتصار إسرائيل على العرب المسلمين عام 1967...

أما كذبة هلاكوست الشيعة التي يرددها التلمودوصفويون ويطالبون بإستحقاقاتها، فلا مراء أنها لجر العراق إلى طائفية ومذهبية. وفي دراسة سبق وأعدها زميل لي اسمه إبراهيم الأوسي، تبين أن أول من كتب ونظر لاضطهاد الشيعة هو حنا بطاطو ثم مجيد خدوري. وبطاطو حصل على معلوماته من مديرية الأمن العامة ما بين العهد الملكي وبداية التسعينات. لكن معلوماته مغلوطة الاستنتاج كليا. فليس صحيحا إن الملكية اضطهدت الشيعة في العراق بل إن فيصل تم ترشيحه بمضابط العشائر الشيعية وحضا النظام الملكي عموما بدعم شيوخ العشائر الشيعية فتحصل أغلبهم على مناصب نيابية ووزارية وامتيازات مالية قل نظيرها. وهذه القوى التي أغلبها شيعي هم الذين سنوا اتفاق 1936 الذي همش المرجعية ومنعها من العمل السياسي. وهذه أول بوادر اضطهاد شيعي شيعي. وبعد سقوط النظام الملكي انطلقت الحركات الشعبية في العراق وكان الشيعة الأغلبية السائدة فيها. وأهم هذه الأحزاب والحركات الحزبان الشيوعي والبعث. وبينما الشيوعي مختلط الأصول التأسيسية، فحزب البعث هو حزب شيعي بالكامل. وتأسس في الناصرية والنجف ومؤسسه الركابي كان شيعيا وكل قادته حتى انقلاب 1963 وهم 13 عضو قيادة قطرية كانوا جميعا شيعة، ناهيك عن أمين سره في العراق وعضو قيادته القومية على صالح السعدي وهو شيعي. وقد حضا البعث بدعم منقطع النظير من محسن الحكيم المرجع الشيعي الأعلى وقتها. وكان عضو الارتباط بين حزب البعث والحكيم هو حسين الصافي. هذا رغم عدم الإنكار بأن قيادة البعث كانت علمانية رغم تشيعها الكامل.

وفي عهد الرئيسين عبد السلام وعبد الرحمن عارف كانت السيطرة للعسكر وكان الولاء للعسكر وهو المنسوخ من طبيعة سلطة جمال عبد الناصر الذي ألقى بظله على الحكم في العراق. ولم تظهر خلال هذه الفترة أية مقاومة سياسية أو ثقافية لنظام الحكم يمكن الإشارة إلى طائفيتها. وربما ذلك أيضا بسبب سيادة الصراع العربي الصهيوني أو أن بسبب أن الغالب على الحكومات هو سياسة التوازن للتيارات القومية والاشتراكية.

أما انقلاب 17 – 30 تموز 1968 الذي أتى بالبعث مجددا إلى السلطة فقد كان بين قياداته الأساسية احمد حسن البكر وحردان التكريتي وصدام حسين وصالح مهدي عماش وحماد شهاب وعبد الخالق السامرائي وعبد الكريم الشيخلي. وجميعهم علمانيون. لكن لو تبينا طائفيتهم فنصفهم تماما شيعة. وبقيت النسبة ما بين الشيعة والسنة تتأرجح حول التناصف في السنين اللاحقة عموما لكنها تفاوتت مابين صعود ونزول حسب البعد والقرب من مراكز القرار وحسب نتيجة الصراع على السلطة، إلى إن استقرت السلطة في الحزب والدولة بحوزة صدام حسين. وصدام حسين لم يكن طائفيا مذهبيا، بله كان مناطقيا بالتعبير الأصح، حيث استبعد أهل بغداد وسامراء (وهم من السنة) من الدائرة الضيقة المحيطة به. ومنذ السبعينات بدأ النظام السياسي للبعث في قص أجنحة التيارات المعادية أو المتقاطعة معه دونما طائفية. فقد استطاع احتواء التيار الشيوعي وضربه وإنهائه وحيّد الكرد وانتصر علهم باتفاقية الجزائر.

وأول من تلقى الضربة من التيارات الدينية هم علماء الدين السنة ومنهم إمام مسجد الإسكان.

وحقيقة فحتى حين حكمت محكمة أمن الدولة على المقبور مهدي الحكيم بالإعدام بسبب قيادته لخلية تجسس يهودية في العراق، بين أبرز عناصرها اليهود: حاييم زلخة وصادق جعفر الحاوي، حتى هذه اللحظة (1969) لم تكن مرجعية الشيعة معادية لصدام ولا البعث. لكن صدام تطاول على حد يعتبر واحدا من تابوهات المرحعية التلمودوصفوية في العراق. فصدام حسين انتبه ومنذ السبعينات إلى الجهل والفقر المدقع الذي عليه جنوب العراق ووسطه. لذاه زار الهور وبقية مناطق الجنوب وأهدي أحيانا أجهزة تلفاز من مخصصات الرئاسة. كما شيد الطرق والدور العصرية ورفع من مستوى المنطقة الثقافي وحدّثها بشكل متسارع وجذب أبناءها إلى الوظائف الحكومية والأكاديمية, كانت أكثر البعثات الدراسية (التي منها الشهرستاني وعادل عبد المهدي) من مناطق الوسط والجنوب. وكان هذا لإدراك صدام حسين أن الفقر والجهل هما المبعث الوحيد لقوة المرجعية التلمودوصفوية في العراق. وهو الخط الأحمر الخطير للمرجعية، التي لولا الجهل ما عشعشت في هذه المناطق. لذاها وحين اكتشفت أن صدام تجاوز خطها الأحمر وفي عقر دارها، صبت جام غضبها عليه وكونت لذلك مدرسة تسقيط استخدمت ما يرد وما لا يرد على البال بحقه. لكن، وحيث كانت الدولة لازالت قوية، فقد كان أبناء الجنوب الأشد شراسة في قتال الإيرانيين خلال الحرب.

وبعد التسعينات، وحيث ضعف جهاز الدولة وقلت إمكانياتها في التحديث وقل اهتمامها بالوسط والجنوب وبقية المناطق عاد الجهل ليسود من جديد، وتترسخ مكانة المرجعية إلى الحد الذي نراه الآن.

وإن عدنا القهقرى مجددا، فالتيار الديني الشيعي انتفض نظام صدام حسين بثلاث محاولات.

الأولى في مؤامرة عبد الغني الراوي التي قادها بمؤازرة من السفاك وإفرادها كلهم من التيار الشيعي العلماني الموالي للشاه. وأحبطها النظام في مهدها.

والثانية محاولة الاغتيال الفاشلة في الدجيل والتي أحبطها النظام بسرعة قياسية، والثالثة هي مظاهرات خان النص والتي لم تكن محاولة لإسقاط نظام أكثر منها مظاهرة انفعال محدودة نتجت عن إحساس المرجعيات بأن البعث سيقص أجنحتها تباعا.

وبعد نجاح الثورة الإيرانية وبدء تصدير الثورة تواطأت مرجعية الخوئي بشكل علني مع النظام فأعدم محمد باقر الصدر، ثم غادر رؤوس المرجعية العراق بعد أن طغى الطابع الوطني على الطائفي خلال حرب الخليج فهربت المرجعيات إلى إيران ( لاحظ أدناه ! ) وما تبقى منها وتياراتها الطائفية تم تقزيمه وتدميره بضربات وقائية قادها الجيش الشعبي والمخابرات والأمن، وجميع هذه الأجهزة من الشيعة. وبعد وفاة الخميني انتكست الحركة الطائفية الشيعية ولم تظهر أي محاولة للتمرد واضحة. بل خلال غزو الكويت ركبت مرجعية حكيم حركة التذمر في الشارع فكانت سببا أساسيا في تمكن النظام من القضاء عليها بسرعة. وأهم عامل في القضاء عليها عدا قوة الجيش العراقي هو غدر الإيرانيين حيث سحبوا رجال مخابراتهم، لتركن بعدها القيادات المرجعية الشيعية إلى نضال الفنادق.

وكل محاولات الانقلاب على النظام ما بعد التسعينات أتت من السنة، ومنها مثلا محاولة اغتيال الرئيس من عشيرة الجبور في العرض العسكري، ومحاولة انقلاب راجي التكريتي وبشير الطالب وجاسم مخلص التكريتي التي كشفها الأمريكان لصدم حسين، وكذلك محاولة اللواء الطيار محمد مظلوم الدليمي وانشقاق حسين كامل وانشقاق حامد الجبوري وهشام الشاوي. كما وإثر محاولات تآمرية على النظام أعدم سنة في سامراء وتكريت. وعلى العكس وطد الشيعة كجمهور علاقتهم بالنظام السياسي وكانت نسب مشاركتهم في أجهزة الحزب والدولة كالأتي :

الجهاز الحزبي 90% من القواعد 75% من القيادات الوسطية و50 % من أعضاء القيادة القطرية
الجيش 80% من المراتب 60% من الضباط
الحرس الجمهوري 60% من المراتب 50% من الضباط
الحرس الخاص 30% من المراتب 20% من الضباط
المخابرات 60% من الجسم العام
الأمن العام 75% من المراتب 40% من الضباط
الدوائر الحكومية 80% من الموظفين 60% من المدراء العامين
القيادة العليا مجلس قيادة الثورة القيادة القطرية مجلس الوزراء 55% من الشيعة
القائمة التي أعلنها الغزاة الأمريكان (قائمة الـ 55 مطلوبا) هي 35 شيعة و14 سنة و1 مسيحي.
نسبة المعاهد والكليات والمدارس إلى الكثافة السكانية في مناطق الشيعة أعلى منها في المناطق السنية وبما قد يصل أحيانا إلى 65%

وللإيضاح نذكر كيف كان الشيعة يتندرون على أن السني عزت الدوري بنى كربلاء وحدثها هي والنجف، بينما السيد بن رسول الله قائد العوادي أشاع بالمدينتين الإرهاب والعبث. ويتذكر العامة الآن ما هي حال مدينة النجف وكربلاء وكل مدن الجنوب أيام صدام بينما يعجز الباكون من اضطهاد صدام عن رفع المزابل عنها.

هذا والأسماء الأشد سطوعا في المسؤولية خلال حكم البعث، هي : ناظم كزار، مدير الأمن العام والأشد سطوة في عالم التعذيب والقتل، على وتوت حاكم عسكري وهو الذي حكم على مهدي حكيم بجرم الخيانة العظمة، جعفر قاسم حمودي، سعد قاسم حمودي، حمزة الزبيدي رئيس الوزراء الشيعي والذي تلاه أيضا رئيس وزراء شيعي آخر وهو سعدون حمادي ثم صار رئيسا للبرلمان طوال فترة الحكم، هاني الفكيكي، حسن علوي، عدنان حمداني، حسن على العامري، مزبان خضير هادي، عزيز صالح النومان ومحمد سعيد الصحاف.

وهؤلاء جميعا شيعة.

وفي زمن حزب البعث تم ولأول مرة في تاريخ العراق استيزار وزير دفاع شيعي وهو سعدي طعمة الجبوري، وأول رئيس أركان جيش شيعي وهو الفريق عبد الواحد شنان آل رباط. وأطول وزير خارجية فترة هو الصحاف وأطول وزير نفط فترة وهو سعدون حمادي ثم قاسم محمد تقي، وأول محافظ بنك مركزي ولأطول فترة وهو عبد الحسن زلزلة وبعده طارق التكمجي وهو شيعي أيضا. وأول مدير أمن عامة وهو ناظم كزار ومعاونه كردي فيلي شيعي وهو على رضا باوة. وأول مسؤول عن التحقيقات الجنائية عامة والذي تولى التحقيق مع المنتمين إلى حزب الدعوة وكان الأشد قسوة عليهم هو عقيد الأمن علي الخاقاني وهو نجفي. وأول من تولى محكمة الثورة شيعيان وهما هادي وتوت ومسلم الجبوري. وتراس 4 شيعة شركة النفط الوطنية ومنهم عبدالأمير الأنباري وفاضل جلبي (بن عم أحمد الكلب) ورمزي سلمان. و60% من المدراء العامين في التصنيع العسكري وأكثر من 70% من الكادر الهندسي المتقدم والذين تابعوا دراستهم على حساب النظام هم شيعة. وأطول فترة برئاسة وكالة الطاقة الذرية العراقية كانت للشيعي عبدالرزاق الهاشمي. وأغلب علماء الطاقة الذرية العراقيين والذين تأهلوا بدراسات في الخارج هم شيعة منهم جعفر ضياء جعفر وحسين اسماعيل البهادلي وحسين الشهرستاني. والمسؤول عن مشاريع تطوير الإنتاج في التصنيع العسكري شيعي وهو نزار القصير. وأكثر فترة قضاها كمدير عام في الدولة شيعي وهو مدحت الهاشمي. وقائد صنف المدفعية العراقية في حرب الخليج شيعي وهو اللواء الركن صبيح العمران وبعد شيعي آخر وهو حامد الورد. وكذلك قائد صنف الدروع شيعي وأمين سر وزارة الدفاع شيعي وهو سعد المالكي ومن ثم جياد الإمارة وهما شيعيان، وقائد الفيلق الثالث شيعي وهو سعدي طعمة الجبوري ومدير إدارة التوجيه السياسي وهو عبدالجبار اللامي وهو شيعي. وأربعة من مندوبي العراق الدائمين في الأمم المتحدة كانوا شيعة وهم طالب شبيب والأنباري وسعيد المشاط وسعيد الموسوي، ومن بعدهم جاء فيلي شيعي وهو عبدالكريم الشيخلي. ومندوبا العراق في اليونسكو شيعيان فقط هما عزيز الحاج وعبد الأمير الأنباري. وآخر رئيس تحرير لجريدة الثورة الناطقة باسم البعث هو سامي مهدي شيعي ومن التبعية الإيرانية. والمستشار الإعلامي للرئيس صدام وهو عبدالجبار محسن شيعي، ومستشار صدام للشؤون الحزبية وهو محسن راضي السلمان شيعي، ومرافق صدام من السبعينات حتى بداية التسعينات هو صباح محمود ميرزا وهو شيعي كردي فيلي.

وزيادة في التوضيح، فجميع المطربين وشعراء الأغنية الذين تغنوا بحب البعث وصدام وطوال فترة البعث كانوا شيعة. وجميع الشعراء الشعبيين الذين مدحوا القائد كانوا شيعة. بل ومن مفارقات الزمن ومهازله ان البعثيين الذين انقلبوا على البعث وارتضوا الارتماء في أحضان أجهزة المخابرات الأمريكية وتعاونوا معها على العدوان على العراق وعلى احتلاله كانوا من الشيعة عموما وهم الذين يتباكون اليوم على اضطهاد الشيعة. بل لنذكر أسماء هؤلاء ودرجتهم الحزبية أيضا وهم:

اياد علاوي، شيعي ـ عضو شعبة. طاهر البكاء، شيعي ـ عضو شعبة. راسم العوادي، شيعي ـ عضو فرع. حازم الشعلان، شيعي ـ عضو قاعدة. داود البصري، شيعي، يكتب في الصحافة، كان نصير متقدم في منظمة السفارة العراقية في الكويت. زهير كاظم عبود، شيعي ـ عضو فرقة. منذر الفضل، شيعي ـ عضو فرقة. العميد سعد العبيدي، شيعي ـ عضو شعبة. العميد توفيق الياسري، شيعي ـ عضو شعبة. فالح حسون الدراجي، شيعي ـ مؤلف اغاني ، عضو عامل. هاشم العقابي، شاعر، شيعي ـ عضو عامل في تنظيمات فرع صدام. حسن العلوي، صحفي، شيعي ـ عضو فرقة. أمير الحلو صحفي ومدير عام في وزارة الإعلام، عضو فرقة ( فرقة المثنى ـ منطقة زيونة في بغداد). عبد الكريم المحمداوي، رئيس عرفاء هارب من الخدمة في الجيش العراقي نصير متقدم في تنظيمات شعبة الرافدين العسكرية فرع ذي قار العسكري.

وإسوة بالمدراء العامين والوزراء وكبار المسؤولين في الدولة العراقية تم تزويد سدنة الروضات الحيدرية والحسينية والعباسية والكاظمية وكبار رجال الدين في كربلاء والنجف وبغداد والبصرة ومنهم سيستاني ومحمد صادق الصدر بسيارات معفاة قطع غيارها من الجمارك.

وقبل هذا وذاك، فصدام هذا المتهم باضطهاد الشيعة، لأنه لم يسمح بلطم الصدور وشق الجيوب، خاض 4 حروب ولم يجرؤ أن يمد يده على قرش واحد من ممتلكات خزائن العتبات المقدسة. بينما هؤلاء التلموصفويون سرقوها من السنة الأولى لاحتلال العراق وباعوها في شوارع تل أبيب...

2 – أعتراف من عبد العزيز الحكيم بالتجسس على القوة العسكرية العراقية

في ندوة صحفية ، وإثر عودته من أمريكا ، تحدث رئيس وفد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبدالعزيز الحكيم عما ناقشته المعارضة العراقية هناك. وعلى سؤال من صحيفة (الرأي العام) الكويتية حول وثيقة عن التسليح العراقي قدمها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية إلى المسؤولين الأمريكيين، أكد رئيس وفد هذا المجلس عبدالعزيز الحكيم، أنه شخصيا سلّمها إلى المسؤولين الأمريكيين، وأضاف قائلا : (( الوثيقة من 16 صفحة وتتحدث عن استعمال الأسلحة الكيميائية في ظروف خاصة وهي في غاية السرية وتمكنا من الحصول عليها من محفظة النظام السرية وبعد دراسة الخبراء من قبلنا لهذه الوثيقة، تأكد لنا احتمال استخدام نظام صدام لهذه الأسلحة ضد الشعب )) وعلى سؤال آخر من إذاعة صوت الثورة الإسلامية العراقية عن الفدرالية، أجاب : (( نحن لا نرفض الفدرالية، والقرار منوط بالشعب العراقي )) (صحيفة الشهادة 952)

3 – صورة للمقبور باقر حكيم بملابس الحرس الثوري على الجبهة العراقية في حرب الخليج الأولى.

الشرح الأصلي على الصورة قال : (آية الله العظمى محمد باقر الحكيم على الجبهة مع العدو العراقي الغاشم) 

السبت، 1 يونيو 2013


مدينة الثورة... تراب المكان في المهب*

*أحمد سعداوي


ربما اعي الآن تماماً أن الجوادر لم تكن سوى مركز وهمي لمدينة الثورة، بالنسبة لي، أنا الطفل، مطلع ثمانينيات القرن الماضي. ولكن من هناك، بين أزقة قطاع 38 وفي ساحاتها الترابية أو الطافحة بالمياه الآسنة، ولدت خلية المكان الأولى، التي امتدت بشبكة اعتباطية لتراكم فيما بعد الإحساس بجسد المدينة.
[المدينة خارج هذه الخلية هي شيء غير موجود بالنسبة لي]
ثم إن أجزاءها وتفاصيل أمكنتها تظل مرئية ومنظوراً إليها دائماً من ذلك المركز الوهمي الذي انطلق منه حضور المكان... من الجوادر، قطاع 38 بالذات.
الألفة والاستيحاش، ثنائية تخلق حاجز توتر لاختراق الأمكنة، ألفة البيت ووحشة الزقاق، ثم ألفة الزقاق ووحشة الشارع، وهكذا... حتى تصل في لحظة ما إلى قناة الجيش التي تفصل المدينة بحاجز مائي عن بغداد.
وحشة القناة وألفة السدة الترابية التي تفصل المدينة عما وراءها، وتفصل أيضاً العاصمة عن خراب الفيضانات العاتية، التي تأتي من الشمال الشرقي.
[هذه الفيضانات يكثر الحديث عنها، وعن المآسي التي سببتها، لكني حرمت من رؤية هولها المدمر]
ما بين قناة الجيش والسدة الترابية يوجد شيء اسمه: مدينة الثورة.
ثم إن هذه الهيمنة الهندسية التي تذوِّب المكان الخاص في عمومية البنية الكبيرة لم تستمر طويلاً، جنابر البيبسي والسجائر أمام البيوت، ثم الأسواق الشعبية المصنوعة من الجينكو.. بدل أن تزول من الساحات الفارغة عند التقاء الأزقة داخل بعض القطاعات (بسبب استغلالها لمكان عام) تفرعنت واستطالت وتمددت على الرغم من هجمات رجال البلدية وتكسير بضائع الباعة بين حين وآخر.
عند ذاك بدأت حدود وأبعاد جديدة قسمت بنية المكان الهندسي الكبير إلى كتل داخلية (بسبب التكييف البشري طبعاً) فظهرت حدود ما قبل وما بعد سوق مريدي على سبيل المثال، أو سوق عريبة وغيرها من الأسواق التي احتلت الجزرات الوسطية ثم الشارع العام بعناد وصلابة لم ينفع معها أي علاج.
خصوصية المدينة أن لا خصوصية (مدينية) لها. حتى اسمها.. هو اسم عام لا يحوي ابعاداً محلية او شعبية او ميثولوجية. (الثورة) أو (الشعلة) أو غيرها.. أسماء أتت من رحم الحماسة السياسية الفضفاضة.
هذه الأسماء لا تصمد أمام الغور القاتم لاسم مثل (بغداد) [ بغدان.. بغداذ.. الخ] دلالة رجراجة وغير نهائية، وذاكرة تختلط بالمخيلة وبالتراكم التاريخي، اسم لمدينة أضحت ذات اصل ميثولوجي.. بتداخل سرديات عديدة في جذرها الغائر.
آه... ولكن ما الثورة؟ سؤال لم تجب عليه التسمية الثانية للمدينة (مدينة صدام) فها هنا أيضاً تكمن قيم مفترضة وموجهة.. صدام.. قائد الثورة.. بطل التحرير القومي.. الخ.
حتى الاسم الحديث لهذه المدينة (الصدر) هو إعادة توجيه للمضمون السياسي في الاسم الأول.. الصدر.. محمد صادق الصدر.. الثورة ضد النظام القائم.. الثورة هنا أيضاً.
الكيان السياسي الفوقي ظل يضغط بقوة على الكيان الاجتماعي للمدينة، لتبقى التسمية مرتبطة بهذا الكيان الفوقي وغير نابعة من تلافيف المدينة نفسها.
المدينة لم تكن قرية فنمت ثم تطورت، لم تكن جنيناً، لقد انبثقت فجأة في هذا المكان بقرار سياسي، ظاهره الرحمة، وباطنه يحوي أشياء أعمق.
من صرائف الجينكو والخوص والسعف والطين للاجئين من الجنوب في قلب العاصمة إلى مستوطنة على حافة العاصمة، وتكاد تكون خارجها.
مدينة منبتة، وهذه صفة المدن الحديثة عموماً، مدينة لا شواخص لها تحافظ من خلالها على استمرارية نمو النسغ المديني فيها وتمنعه من التلاشي. ويبدو أن العاصمة أو (قلب العاصمة!) متهمة بذلك بشكل كبير، فهي لم تهضم الوافدين إليها، بل أقصتهم في مستعمرات الأطراف.
ولكن برغم ذلك، يبدأ المهاجرون في لحظة ما بالتحول إلى (غزاة)، جوهر العاصمة هش وقابل للتآكل، لذا بدا الإقصاء سلاحاً لمن لا سلاح له، فالغزو مستمر، ببطء، ولكن بثبات.
[الإقصاء يتعمق حين يتبنى المقصي ثنائية المركز والهامش التي خلقها من يقوم بفعل الإقصاء، وهو هنا ذات لا شخصية تمثل ذلك المركز الهش لقلب العاصمة]
الجنوبي المهاجر (الغازي) يدخل قلب العاصمة، ويدخل في الوقت نفسه في نظام العاصمة، وهو فيه (هذا النظام) يمثل الهامش المقصي، انه عامل بناء أو تنظيف أو بائع خضار أو حمال أو شرطي، وليس أكثر من ذلك. إنه وجود عابر سريع الزوال ضروري لمركزة المركز.. لكنه ليس جوهرياً، أو جزءاً من المركز.
الشاكرية نفسها (أو الميزرة وغيرها..) كمستعمرة بناء مؤقت للمهاجرين ارتحلت إلى مكان آخر لكنها ظلت كما هي، انتقلت إلى شمال شرقي العاصمة ولم يتغير فيها شيء، بيوت الصفيح والطين والسعف و(العمدان والبواري) هدمت في الشاكرية ليعاد بناؤها في الثورة.
وبعد أن اندثرت مواد البناء هذه أمام اكتساح مواد البناء الحديثة، وتحول المدينة إلى الطابوق والحديد وتبليط الشوارع والساحات وردم السواقي الطولية التي كانت مجاري ظاهرية لتصريف المياه الثقيلة، لم يبد أن الشاكرية قد اختفت.
في منتصف الثمانينيات شقت المجاري الحديثة بطون الشوارع ودخلت المنهولات للبيوت وردمت (البلاليع) لكن الشاكرية لم تختف، فنعمة الصرف الصحي لم تدم سوى سنوات معدودة ليردمها الاهمال وسوء الاستخدام وعدم الصيانة، ولتغدو مشكلة ونقمة.
[الوجود الطارئ وغير المستقر للشاكرية هو ما استمر في الثورة وبثبات]
سأروي هذه الحكاية... البيت الذي عشت فيه لسنوات عديدة انتهى الى التلاشي القسري، فبسبب طفح مياه المجاري ثم آفة المياه الجوفية، ردمت ارضيات الغرف لأكثر من مرة، وكان يرافق ذلك تقصير (رقاب) المراوح السقفية كيلا تنوش رؤوس الساكنين.
وفي نهاية الثمانينيات هدمت سقوف الغرف ورفعت لمسافة متر، حتى يرتفع البيت بأجمعه الى مستوى الزقاق، ولكن هذه العملية كانت فاشلة ايضاًَ.
كانت الدافعية للمغامرة بهدم البيت كله وبنائه من جديد، ضعيفة ولعدة عوامل.. منها الاحساس بأن الاموال التي ستصرف في بناء بيت من الصفر من الاجدى صرفها على قطعة ارض جديدة وبعيدة قدر الامكان عن المشاكل المزمنة لمدينة الثورة، وليس اقل هذه المشاكل المجاري والضغط الامني.
في النهاية وفي لحظة بدت مناسبة للجميع بيع البيت، وانفرطت العائلة الى عدة عوائل سكنت كلها في بيوت خارج الثورة.
هاجس الهجرة ظل ساري المفعول في انفس المهاجرين وابنائهم، حتى بعد ثلاثة اجيال داخل بغداد.
[على مصاطب بائع للشاي في مسطرالعمال بمنطقة علاوي جميلة منتصف التسعينيات يجتمع ثلة من الاصدقاء في ليلة شتائية ويقررون الهجرة، وهذا ما قام به كل منهم وبأسلوبه الخاص فيما بعد. ومن بقي منهم ظل مريضاً بالهجرة غير المنجزة] 
وكان خيار الهجرة القصوى حاضراً لدى الجميع، حتى ان فخذاً عشائرياً كاملا يقطن الثورة انتقل بالتدريج خلال التسعينيات الى مونتريال في كندا، وفق رواية شاعت آنذاك. كل المدن والاحياء التي نشأت في بغداد بعد نشوء (الثورة) ظلت الثورة تزودها بالنازحين، كحي الجهاد والشعب وحي اور والامين والعبيدي والمشتل والحسينية وغيرها.
كل الاسواق في بغداد وكل الجنابر والبسطات غزاها اهل الثورة تباعاً. المقصي والمهمش على السطح احتل القاعدة شيئاً فشيئاً، الصحف والوزارات وقاعات الفنون والمعارض والمنتديات والاندية الرياضية وفي التسعينيات استولى المطربون الشباب (الثوراويون) على الاذاعة والتلفزيون. اجيال شعرية ومسرحية وتشكيلية كان محتواها الاكبر هم شعراء وفنانو الثورة. 
اوه.. ولا ننسى اللصوص والشطار والعيارين، فهم الاعتى في هذه المدينة ايضا. كل ذلك كان يجري بطاقة التجاوز، تجاوز المهاجرين لـ(الثورة) نفسها.
التجاوز باتجاه قلب بغداد، باتجاه (البغدادية) الرجراجة التي لم تثبت لهؤلاء المهاجرين.
ولكن، كم يبدو المركز الاقصائي غامضاً وملتبساً، انه لم يعد ومنذ وقت طويل مركزاً مدينياً، فالسلطة القائمة في قلب هذا المركز هي خلية لمهاجرين آخرين. ريفيون قادمون من شمالي غربي العاصمة، اكلوا ثمرة المدينة واستولوا على روحها، فغدت هي وكأنها هم. لذا ليس من الغريب ان صفة التسامح المدينية لم تكن حاضرة، لأن قلب المدينة كان ريفياً بحتاً.
كانت العاصمة بمجملها ريفاً ملتبساً ومأزوماً بلباس المدينة، في حين أن مدن العالم تمر بمرحلة التخمة المدينية، وتحول الضواحي (الريفية) الى مستقبل مأمول لسكانها.
[من التقاليد التي كرستها السلطة الريفية او البدوية الحاكمة، هو تجاوز المدينة نفسها في البحث عن هوية ساكنيها، فيتم التعريف على اساس العشيرة او العرق او الطائفة، وتبقى المدينة وقيمها خلفية شاحبة في العمق]
الرحلة الاولى لي الى مدينة العمارة، لم تكن رحلة رومانتيكية للعودة الى الجذور وما شابه، ولكن هذه الصورة كانت حاضرة في ذهني. حين طفت بشوارع هذه المدينة، لم استطع التهرب من هاجس المقارنة، فها هي الثورة هنا. البون لم يكن شاسعاً، فالصلة ما بين العمارة والثورة ظلت دائمة طوال العقود الماضية، حتى ان تأسيس الثورة نفسها واقطاعها للنازحين مثَّل عامل جذب لنازحين جدد من العمارة ومن مدن الجنوب الاخرى.
في منتصف الثمانينيات.. عوائل بصرية كاملة انتقلت الى الثورة بسبب الحرب، وبرغم استقرارها في الموطن الجديد، إلا انها ظلت عائمة، فقانون عدم تمليك الدور والاراضي في بغداد لمن لا يملك احصاء 57 (والذي بدا انه مصمم لصد الجنوبيين عن بغداد) مثَّل حاجزاً قوياً أمام طمأنينة الاستقرار، وهذا ما شجع عدداً من هذه العوائل على العودة الى البصرة بعد نهاية حرب الثمانينيات.
على العموم انتهت المقارنة السريعة لدي بين الثورة والجنوب، الى كون الامر لا يتعدى الزحزحة المكانية، ولكن الانصات الطويل سيقود الى فروق عديدة، فالثورة مشهورة بأنها اكبر تجمع سكاني نسبة الى مساحة الارض التي تشغلها، حيث تشير الاحصائيات ان سكان هذه المدينة يشكلون ثلث سكان بغداد، يتزاحمون على مساحة أفقية من الارض لا تتجاوز 20 كيلومتراً مربعاً، وهذا ما يندر ان تجده في اماكن اخرى من العراق. وهذا التزاحم ينعكس بشكل كبير على طبيعة العلاقات الاجتماعية، وطبيعة الحركة والتعامل مع المكان بالضرورة. ثم ان الثورة ظلت المكان الذي يحوي اكبر نسبة من البطالة، وفي الوقت نفسه المكان الذي يحوي النسبة الاعلى للأنشطة الاقتصادية الصغيرة او المتوسطة، خصوصاً بعد اباحة البناء العمودي في منتصف الثمانينيات. هناك محال واسواق وورش هي الاكثر احتشاداً في بغداد.
وأعطى عدم التجذر، وتعويم الهوية الذي يعيشه الشاب في الثورة، بانقسامه بين الجنوب وبغداد، حرية وجرأة اكبر في السلوك حتى من البغدادي (الاصيل!)، يتضح ذلك بصورة جلية في صرعات الملابس وحلاقة الرأس، واقتناء الموسيقى وسماعها، حتى ان البعض قد يبالغ في الوصف ان حلاقي الثورة هم اول من يدشن القصات الغريبة، وهذا الامر ينسحب على خياطي هذه المدينة ايضاً، وما زال الى الان عدد من الخياطين المشهورين في المدينة قد يكونون الاشهر في بغداد، بسبب خاصية الجرأة والمغامرة.
قد تكون هذه فوارق حاسمة بين الثورة والجنوب، ولكنها ليست خطاً فاصلاً شديد الصلابة، فالقيم العشائرية على سبيل المثال ظلت تتغذى من الجنوب دائماً.
[في العام 1985.. في الشارع العام امام البيت، خرج الصبي لكي ينظر.. سيارة سوبر بيضاء فتحت ابوابها الاربع على مصاريعها، وفي الداخل ثلاثة رجال بدشاديش وغتر جنوبية مرقطة وعباءات.. مستلقين بكل هدوء والدماء تغطي صدورهم، فيما بعد علم الصبي ان القضية تتعلق بثأر ونزاع بين عشيرتين، الغريب.. ان المعركة الاصلية كانت قد جرت قبل ذلك وبوقت وجيز هناك في احدى زاويا الجنوب، والصورة الدموية هذه ليست سوى رد الصدى]
هذه الصلة تجذرت في النهاية لكي تكون هي السمة الطاغية، فحالة التدهور العام غطت بظلالها على جميع مفاصل الحياة، التدهور هنا تجسد بالارتكاس القوي والحاسم الى قيم العشيرة والقبيلة، على حساب ما كان يفترض انها قيم مدينية جديدة، كان قد تشرب بها على وجه التحديد جيل المواليد الستينية (الذي استيقض داخل بغداد ولم يعرف غيرها)، هذا الجيل الذي شوي بالتدريج على نار حرب الثمانينيات ثم حرب الخروج من الكويت، ثم الحصار والعقوبات الاقتصادية.ونتيجة الضغط السكاني، كان من الطبيعي ان تقذف المدينة بنسبة من سكانها غير الموسرين ممن اخفقوا بالعبور الى (بغداد!)، لينشئوا (شاكريات) عديدة خارج المدينة.. تمثلت بحي طارق وراء السدة الترابية، وحي التنك، وحسينية المعامل.. وسبع قصور.. وهي كلها مدن عشوائية ارتكس سكانها و(منشئوها) في احلامهم بصورة كاريكاتيرية قاسية، لتغدو الثورة والعودة للسكن فيها هو حلم الالفية الجديدة بالنسبة لهم!!
أما داخل الثورة نفسها فإن التكيف مع الضغط السكاني اخذ صوراً اخرى.
داخل بيت الجد، كان البيت نفسه هو حصيلة الزمن المضني الوحيدة، مع سبعة من الاولاد، وابتداءً من منتصف السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات، تحايل الجد على الفقر باستغلال الفضاء (المقدس لدى الريفيين) للبناء، وانشاء غرفة جديدة كلما رغب احد اولاده بالزواج.
[البيت انتهى الى صورة شديدة الغرابة.. غرف متلاصقة على مساحة 120 متراً مربعاً، والفضاء الوحيد المتبقي داخل البيت هو ممر طويل وخانق يبدأ من باب الحوش(آه !.. اين الحوش إذاً؟) وينتهي عند باب المطبخ الكبير المزدحم]
هذه الصورة تتكرر وبتنويعات مختلفة في اكثر بيوت الثورة، لذا غدا من الطبيعي ان جزءاً كبيراً من النشاط الاجتماعي يجري خارج البيت. المسافة بين الافراد داخل البيت قصيرة، الاجواء مشحونة على الدوام، الاحتكاك الدائم يولد التوتر، الشارع إذاً والزقاق هو امتداد لا مفر منه للبيت نفسه، للتنفس ومن ثم احتمال البيت. احدى صور هذا التمدد ان البيوت التي تطل على شوارع فرعية عريضة استغلت الرصيف الذي يفصل بين حدود البيت والشارع العام لإنشاء حديقة. قطعة من (الثيل) هي ما يحرز بها المرء حديقة، بشجرة او بدون شجرة، هذا ليس مهماً، المهم ان قطعة الثيل هذه هي مستراح العجائز والشيوخ، وربما سوِّرت بسياج (بي آر سي) يحوي باباً وقفلاً. هذه الصورة بالطبع ما كان لها ان تحدث لولا ضياع سلطة المدينة.
ثيل.. اشجار .. حديقة.. (حديقة مستشفى الجوادر).. هنا اكبر مساحة من الثيل واكبر عدد من الاشجار يمكن ان تراه في المدينة، وعلى مدى عقود انتهت بالتسعينيات كان فضاء هذه الحديقة، مجالاً حيوياً رحباً، للعوائل وطلبة الامتحانات النهائية، ولأطفال يلهون بألعاب ثابتة، كالسلالم والاراجيح. وايضاً للمتقاعدين الذين قد يشكلون بجلستهم دائرة واسعة تحرم الاخرين من مساحة الثيل الداخلية التي اقفلوها بحواراتهم المديدة.
الشيء غير البريء في هذه الحديقة.. انها كانت، بالاضافة الى لقاءات الادباء والشعراء وهواة القراءة وتبادل الكتب، مكاناً للقاءات الشيوعيين والوجوديين واتباع حزب الدعوة الاسلامية، وهي بذلك غدت غابة لصيد المخبرين ايضاً.
من الثيل الى التراب الحر. المساحات الكبيرة الخالية امام السدة الترابية كانت ايضاً (وما زالت بصورة ما) مجالاً للنشاطات الرياضية، لكرة القدم بالذات، وللتسكع، والاطلالة على المدينة بصخبها وغمامة التراب الدائمة فوقها.
جزء كبير من هذه الساحات الخالية ملئ خلال عقد التسعينيات بأسواق الخردة والاطارات المستعملة وما لا يحصى من الاشياء بما سمي حينها بـ(سوق مريدي الثاني) بسبب ان امتداد واستطالة سوق مريدي الاصلي واكله للشوارع وجزء من الازقة والساحات الفارغة بما كان يهدد بالاتحاد مع سوق الحي (حي الاكراد) جعل البلدية تتململ قليلاً في رقدتها الطويلة وتهجم لتقلم الاغصان المتطاولة لمريدي، ولكن هذه الاغصان نبتت في مكان اخر حاملة اسم الشجرة الام... مريدي.
مريدي (رقم 2) هذا، تطاول حتى اتصل في النهاية بسوق الداخل (وهي المنطقة المحاذية لما يعرف شعبياً بمنطقة الجوادر)، وغديا كتلة واحدة.
الغريب ان مريدي بمرادفاته العديدة انتقل من سوق شعبي الى سوق بغدادي كبير، بمعنى انه وفر في مرحلة نضجه النهائي الخدمة لجميع سكان بغداد، فـالدوارة (وهم صبية وشباب يدورون على البيوت لشراء الاشياء المستعملة) تحولوا الى جامعي فائض ومهمل البيوت الفارهة. كذلك دفع العوز بالعوائل الفقيرة الى بيع اثاثها، لتصب كل هذه المستعملات على الرصيف في سوق مريدي، فغدا هذا السوق قبلة لمن يبحث عن النادر او المستعمل الرخيص من ساكني بغداد بأجمعها.
[عام 1991 كان الشاب يقلب في كتب معروضة على فرشة من الجنفاص وسط السوق، حين انفجر شيء، علق البعض ساخراً انه طباخ نفطي انفجر بيد احد المصلحين، لكن الانفجار البعيد نسبياً كان شيئاً اخر، انه اطلاق ناري لقوات الحرس الخاص الذين طوقوا المدينة منذ اسابيع. لم يكن هنالك وقت لتأمل الحدث المتسارع، الاجترار واعادة الهضم سيأتي فيما بعد، حشود تركض باتجاه واحد، والطباخ النفطي يستمر في انفجاراته. داس الشاب على ساعة جدارية معروضة على الارض، بالاحرى حطمها، الامر تكرر مع بضائع أخرى، وتدافع الناس للابتعاد قدر الامكان عما حدث، وللخروج من السوق الذي بدا في تلك اللحظات المتسارعة ان لا حدود نهائية له.
فرغت الشوارع سريعاً، وانتهت الانتفاضة الصغيرة المتجاوبة مع الانتفاضة الاكبر التي كانت تجري في الجنوب (الجنوب هنا ايضاً) بضربات حاسمة من الحرس الخاص، وخيم نطاق من المراقبة الامنية لم تشهد المدينة مثيلاً له، حتى ان الشاب كان مضطراً لعرض هويته للحزبيين (اعضاء حزب البعث) ورجال الامن حين يتنقل بين قطاع واخر]
ابتداءً من هذه اللحظة ستغدو صفة الارض الملغومة اعلى من غيرها في وصف المدينة، ازدياد اعداد الفارين من الخدمة العسكرية، والارباك الذي تخلقه حملات ملاحقتهم من بيت الى بيت ومن سطح الى سطح، ازدياد حالات تسور البيوت ليلاً من قبل الحزبيين ورجال الامن لإلقاء القبض على ملتحٍ (وربما كان ملتحياً لا اكثر ولكن لا احد يدقق). سطوح المنازل التي كانت مكاناً حصرياً للمطيرجية (مربي الطيور) ولناشرات الملابس، غدت ارضاً مباحة للفارين والمطاردين (بكسر الراء)!
كل هذه الدراما تتوجت بزخات رصاص مديدة عام 1999 على صدور المتظاهرين الخارجين من جامع المحسن عقب اغتيال محمد صادق الصدر على يد السلطة. هذه اللحظة حسمت نهائياً التحول العميق والطويل داخل المدينة، وما حدث عقب سقوط النظام، هو ازالة غطاء لا اكثر.
صورة الرئيس الكبيرة المزروعة في قلب المدينة ما كان لها ان تزول سريعاً بهدمها مثلاً، ومحوها من المكان، كان هناك من يريد ان يتذكر دائماً لحظة المحو، لذا بدلت بصورة (الصدرين) الشهيدين على يد النظام صاحب الصورة الممحوة.
[يقف الشاب على مبعدة من المدينة، انها المدينة، في الوقت الذي لم تعد هي نفسها، انه يدخل الى مدينة جديدة موغلة في القدم، مدينة ما زالت رجراجة، لم تثبت مدينيتها، او بغداديتها، مدينة المحو الدائم للذاكرة (صفة المكان الصحراوي)، وربما لم تعد تعبأ ببغدادية ما، انها في قلب الجنوب، وموهوبة له تماماً، وهي في قلب بغداد ايضاً تستبيحه كيفما تشاء . يقرأ الشاب الكتابات العديدة التي تملأ حيطان الثورة فيرى اعادة تعريف للمكان، إعادة (امتلاك)، لمكان تذروه الريح دائماً، وهو ملك لها فقط].

ـــــــــــــــــــــــ
*نشرت المقالة في مجلة "مسارات" العراقية قبل سنوات، ثم في كتاب "المكان العراقي"، ثم نشرت مترجمة الى الأنجليزية واقتبس منها في مقالات ودراسات متعددة. أعيد نشرها هنا بناءً على رغبة أحد الاصدقاء، وأيضاً لوضعها امام المهتمين ممن لم يطلعوا عليها سابقاً.

Like ·  · Share · 3 hours ago