الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

ملامح خريطة جديدة للشرق الأوسط
تحرير وترجمة: رشا سعيد
خاص لكتابات
   نشرت صحيفة "النيويورك تايمز" الأمريكية أمس الاثنين 29 سبتمبر، مقالا تحليليا للباحث والأكاديمي في معهد السلام الأمريكي، روبين رايت، Robin Wright يرسم فيه ملامح خريطة جديدة للشرق الأوسط، تتحدد من واقع الاضطرابات والحروب الأهلية والانقسامات الطائفية التي تضرب الشرق الأوسط العربي بالكامل منذ ما يقرب من أربع سنوات.
   حسبما يقول رايت، فإن الانقسامات لن تطال سوريا والعراق فحسب. وهما البلدان اللتان لطالما شهدتا اضطرابات سياسية وانقسامات على خلفيات إثنية وطائفية. بل إن هذه الانقسامات قد تطال دولا شبه مستقرة مثل المملكة العربية السعودية، إذ يشير رايت إلى أزمة انتقال السلطة في البلاد إلى جيل جديد، وأزمة البطالة، وقرب نفاذ مخزون النفط السعودي، وهي العوامل التي قد تثير كوامن النزاع هناك في المدى المتوسط.
- نص التحليل:
   خارطة الشرق الأوسط الحديث، محور النظام الدولي على المستويين السياسي والاقتصادي، في حالة يرثى لها. تعتبر الحرب السورية المدمرة نقطة تحول في هذا السياق. ولكن قوى الطرد المركزية للعقائد، القبائل، والإثنيات المتناحرة – معززة بتداعيات غير مقصودة للربيع العربي – تمزق الإقليم الذي تشكل قبل قرن مضى على يد القوى الاستعمارية الأوروبية، وناضل من أجله الأوتوقراطيون العرب منذ ذلك الحين.
   سيكون ظهور خريطة جديدة للشرق الأوسط تغيرا استراتيجيا لقواعد اللعبة بالنسبة للجميع تقريبا، ربما يعيد تشكيل تحالفات، تحديات أمنية، حالة تدفق التجارة والطاقة إلى كثير من دول العالم أيضا.
   الوضع الجغرافي لسوريا يجعل منها مركزا استراتيجيا للشرق الأوسط. ولكنه بلد معقد، غني بالتعددية الدينية والإثنية، ومن ثم هش. عقب الاستقلال، شهدت سوريا أكثر من نصف دستة انقلابات ما بين 1949 و 1970، عندما حازت عائلة الأسد السيطرة الكاملة. الآن، بعد 30 شهرا من نزيف الدماء، تحول التنوع إلى تناحر قاتل، يقتل الناس ويذبح البلد أيضا. انقسمت سوريا إلى ثلاثة أقاليم، كل منها له علمه وقواته الأمنية الخاصة به. يجري الآن تشكيل مستقبل جديد: دويلة صغيرة على امتدد الممر من الجنوب عبر دمشق، حمص، حماة حتى الشمال على ساحل المتوسط، تسيطر عليها الأقلية العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد. في الشمال، كردستان صغيرة، والتي تتمتع باستقلال ذاتي إلى حد كبير منذ أواسط 2012. والكتلة الأكبر وسط البلاد تسيطر عليها الأغلبية السنية.
   سيضع تفكك سوريا سوابق للإقليم، ولنبدأ بالجوار السوري. حتى الآن، قاومت العراق التمزق بسبب الضغط الخارجي، الخوف الإقليمي من مضيها في اتجاه مغاير وثروة النفط التي تشتري الولاءات، أقله على الورق. ولكن سوريا الآن تجذب العراق إلى دوامتها.
   ذكر مبعوث الأمم المتحدة مارتين كوبلر أمام مجلس الأمن في يوليو الماضي أن ساحات القتال تتداحل. وقال : "إن العراق هي الخط الفاصل بين العالميت الشيعي والسني وأن كل شئ يحدث في سوريا، بالتأكيد له تداعياته على الساحة السياسية في العراق".
   بمرور الوقت، ربما تشعر الأقلية العراقية السنية – أهم تكتلاتها في محافظة الأنبار، موطن الاحتجاجات المناهضة للحكومة – أنها أقرب إلى الأغلبية السورية السنية في الشرق. تمتد الروابط القبلية والتهريب عبر الحدود. معا، بإمكانهم تشكيل دولة "سنة ستان" مؤقتة أو رسمية. أما الجنوب العراقي فسيتحول بالضرورة إلى "شيعة ستان"، رغم أن الانفصال لا نتظر أن يتم بهذا الشكل المنظم.
   بين الحزبين السياسيين الكبيرين في المنطقتين الكرديتينفي سوريا والعراق اختلافات عميقة الجذور، ولكن عندما انفتحت الحدود في أغسطس، فر أكثر من 50 ألف سوري إلى كردستان العراق، لينشأ تجمعات كرديان عبر الحدود. كذلك، أعلن رئيس كردستان العراق، مسعود برزاني، عن خططه للقمة الأولى والتي تجمع 600 كردي من نحو 40 حزب في العراق، سوريا، تركيا وإيران نهاية هذا العام.
   قال، كمال القراقولي، المتحدث السابق باسم البرلمان الكردي، حول محاولة حشد الأكراد لمناقشة مستقبلهم: "إننا نشعر أن الظروف الآن مناسبة".
   لعبت أطراف خارجية طويلا بالشرق الأوسط: ما الذي كان سيحدث لو لم تقسم الأطراف الخارجية الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى؟ أو لو عكست الخريطة الحقائق والهويات الجغرافية؟ أغضبت الخرائط المعاد تشكيلها العرب، واعتبروها مؤامرات خارجية لتقسيمهم وإضعافهم مرة أخرى.
   لم أكن يوما ممن يلعبون بالخرائط. لقد عشت في لبنان أثناء حرب أهلية استمرت 15 عاما ورأيت أن بإمكانها البقاء من دون أن تنقسم إلى 18 قسما. كذلك، لم أعتقد أن العراق قد تنقسم أثناء الحرب الشريرة التي استمرت في 2006-2007. ولكن محفزات مزدوجة غيرت من تفكيري.
   الربيع العربي كان الشرارة التي أشعلت النيران. لم يرغب العرب فقط في الإطاحة بالدكتاتوريات، بل رغبوا في سلطة غير مركزية تعكس الهويات المحلية أو الحق في الموارد. بعدها وضعت سوريا قواعد المباراة لنفسها والحكمة التقليدية بشأن الجغرافيا.
   ربما يتم رسم الحدود الجديدة بطرق متفاوتة، وربما فوضوية. قد تنقسم البلاد إلى ولايات فيدرالية، تقسيم ناعم أو حكم ذاتي، ينتهي بانفصال جغرافي تام.
   كانت الانتفاضة الليبية بشكل جزئي ضد حكم معمر القذافي. ولكنها أيضا عكست رغبة    بني غازي في الاستقلاب عن طرابلس المهيمنة. تتباين القبائل هناك. تتجه القبائل الطرابلسية إلى المغرب، أو غرب العالم الإسلامي، بينما تنظر قبائل برقة باتجاه المشرق، أو شرق العالم الإسلامي. بالإضافة إلى هذا، تأخذ العاصمة أكثر من نصيبها في عائدات النفط، حتى لو كان إجمالي الإمدادات القادمة من الشرق أكثر من 80%.
   إذن قد تتفكك ليبيا إلى قطعتين أو ثلاث. أعلن المجلس الوطني في برقة استقلاله في يونية. كذلك فإن لجنوبي فزان قبائله المنفصلة وهوياته الجغرافية. أقرب في ثقافتها، قبائلها وهوياتها إلى الساحلية عن شمال إفريقيا، قد تنفصل أيضا عن ليبيا.
   تعاني دولا أخرى تفتقر إلى الهوية الجمعية والرابطة السياسية من الضعف، تكافح الديمقراطيات الناشئة كي تحيط الدوائر المتباينة بتوقعات جديدة.
   عقب الإطاحة بالدكتاتور اليمني، بدأت اليمن في حوار وطني متقطع في مارس لإرساء نظام جديد. ولكن في بلد مزقته طويلا احتجاجات الشمال وانفصاليوا الجنوب، فإن النجاح ربما يعتمد على تبني فكرة الفيدرالية – ووعد بالسماح للجنوب بالتصويت على الانفصال.
   ربما تكون الخريطة الجديدة أشد إثارة للاهتمام. يضج العرب حول تداخل جزء من الجنوب اليمني مع السعودية. معظم الجنوبيون من السنة، مثلهم مثل معظم السعوديون؛ الكثير منهم لهم عائلات في المملكة. بوصفهم أفقر العرب، فإن اليمنيين ربما يستفيدون من السعوديون الأغنياء. بدورهم، قد يحصل السعوديون على منفذ للتجارة على بحر العرب، الأمر الذي يقلص من اعتمادهم على الخليج العربي ويخفف من مخاوفهم بشأن سيطرة إيران الحقيقية على مضيق هرمز.
   الأفكار الأكثر إثارة تتعلق ببلقنة السعودية، في بلد جمع القبائل المتناحرة معا بالقوة بواسطة قبضة الإسلام الوهابي. تبدو المملكة آمنة ونحن ننظر إليها من زجاج الأبنية المرتفعة والطرق السريعة ذات الحارات الثمان، ولكنها لا تزال لديها ثقافاتها المختلفة، هوياتها القبلية المتمايزة والتوترات بين أغلبية سنية، وأقلية شيعية تتمركز أساسا في الشرق الغني بالنفط.
   تتعمق الإحباطات الاجاماعية بفضل الفساد المنتشر وبطالة تطال نحو 30% من الشباب في بلد منغمس في الملذات، ربما ستضطر إلى استيراد النفط خلال عقدين من الزمن. بانتقال العرش إلى جيل جديد، سيكون على آل سعود الدخول في عملية جدلية من إنشاء عائلة حاكمة جديدة تتألف من آلاف الأمراء.
   ربما تحدث تغيرات أخرى مؤقتة. المدن – الدول – واحات تجمع بين هويات مزدوجة مثل بغداد، جيوب مسلحة جديا مثل مصراتة، ثالث أكبر مدينة في ليبيا، أو مناطق تتمتع بحكم ذاتي مثل جبل الدروز في الجنوب السوري – ربما تعود مرة أخرى، حتى ولو كانت تكنيكيا داخل دول أخرى.
   بعد عقد من تشكيل المغامر والدبلوماسي البريطاني السير مارك سايكس والمبعوث الفرنسي جورج بيكو للإقليم، تجذرت الوطنية بدرجات متفاوتة في بلدان تشكلت وفق لهوي الإمبرياليين ومصالحهم التجارية وليس المنطق. السؤال الآن هو ما إذا كانت الوطنية أقوى من المصادر الأقدم للهوية وبإمكانها الصمود أثناء صراع أو مراحل انتقالية قاسية.
   يحب السوريون أن يدعوا أن الوطنية ستطفو على السطح فور انتهاء الحرب. المشكلة أن سوريا الآن بها وطنيات مزدوجة. "التطهير" مشكلة متنامية. وتعزز المدافع من الاختلافات. الانقسام الطائفي يرسم ملامح الانقسام بين السنة والشيعة بأشكال لم يشهدها الشرق الأوسط الحديث من قبل.
   ٍولكن عوامل أخرى قد تحمي الشرق الأوسط من الانقسام – الحكم الرشيد، التوزيع العادل للخدمات والأمن، العدالة، الوظائف وعدالة توزيع الموارد، أو ربما العدو المشترك. البلدان هي بالضرورة بمثابة تحالفات صغيرة بين سكانها. ولكن تلك العوامل تبدو أبعد عن العالم العربي. وكلما استعرت الحرب السورية، كلما كان عدم الاستقرار والمخاطر أكبر على الإقليم ككل.
* المصدر: New York Times.