الجمعة، 21 فبراير 2014



الشروك من هم وما هو تاريخهم 
* الأصول التاريخية لـ (الشروك) في العراق ،
الباحث البروفيسور د. جلال الوزير 

تعرضت طبيعة ونشأة وتركيب المجتمع العراقي الحديث الى هزات كبيرة ادت من جهة الى نزوح العديد من مواطني العراق واستقبال مهاجرين وعلى شكل موجات سكانية , خصوصا بعد عهد اسماعيل الصفوي الذي حكم ايران واحتل العراق وبلوشستان وكذلك في عهد حكم المماليك اضافة الى فيضانات دجلة والفرات وموجات امراض الطاعون التي اما فتكت باعداد هائلة من المواطنين الذين كانوا يقطنون الولايات العراقية على عهد العثمانيين , او ادت الى هجرة اعداد غفيرة من مواطني الشعب العراقي الى الولايات والامارات العثمانية شرق نجد والخليج والى مصر والشام (سوريا ولبنان والاردن وفلسطين) . ولازالت الكثير من العوائل من الاصول العراقية محافظة على القابها العراقية هناك.

وترجع اصول المهاجرين الى العراق من بعض الاكراد والاثوريين والنساطرة والارمن عندما جاءت لاجئة للعراق مع الكثير من العوائل الكردية والمسيحية التي كانت تقطن جنوب شرق تركيا وجبال شمال غرب ايران بقرار من عصبة الأمم بسبب الاذى الذي عانت منه تلك العوائل اثناء العمليات العسكرية للحرب العالمية الاولى فتم توطينهم في شمال العراق وفي القرى المسيحية المحيطة بالموصل .

اما المهاجرون من الاصول الشرقية (الشروگية) في جنوب العراق, والاهوار وهي عبارة عن مسطحات مائية ضحلة, وهم اربعة موجات ابتدأت منذ الحكم اسماعيل الصفوي الذي حكم ايران واحتل بلوشستان واجزاء من العراق في القرن السابع عشر , واخرها على عهد شاه ايران محمد رضا بهلوي في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين وباساليب الهجرات البرية والتسلل عبر الزوراق للكويت والعراق . فقد عرف اسماعيل الصفوي باضطهاده لخصومه من الطوائف الدينية وشيوخ العشائر مما دعا العديد من العوائل المتحدرة من تلك الاصول من المناطق الايرانية مثل لورستان والاهواز وبلوشستان وجنوب غرب باكستان وشمال غرب الهند وقسم منهم هاجروا بسبب اضطهاد الصفويين لهم وسكنوا الاهوار العراقية كعبيد لدى الاقطاع.

و الموجة الثانية من هجرة الشروگيين للعراق والخليج العربي فتمت في منتصف القرن التاسع عشر ابان حكم المماليك للعراق.

اما الموجة الثالثة للهجرة فتمت مع جيش الليفي اثناء احتلال الجنرال البريطاني مود للعراق حيث ارسلتهم حكومة الهند الشرقية البريطانية التي كانت تحكم الهند انذاك , حيث اتوا من شمال الهند - باكستان حاليا وبقوا هم وعوائلهم في مناطق شمال العمارة وجنوب الكوت وشمال الناصرية وجنوب كربلاء . 
اما الهجرة الرابعة فكانت عبارة عن موجات متقطعة للعوائل المهاجرة التي سبق وان استوطنت الاهواز قادمة من بلوشستان والهند ولورستان مابين الحرب العالمية الثانية ومنتصف عقد الستينيات للقرن العشرين في العراق ومنتصف السبعينيات منه في الخليج العربي .

ومن الجدير ذكره هنا , ان هؤلاء المهاجرين قد انخرطوا في العشائر العراقية التي شغلتهم فلاحين لديها من خلال نظام الدخالة القبلي الذي يجيز للدخيل في اي عشيرة من تغيير اسمه وحمل لقب العشيرة.

وكذلك من المهم الاشارة اليه بانه ليست كل العائلات المهاجرة الشيعية هم من الشروگيين فهنالك العائلات من اصول لبنانية وايرانية ميسورة او مثقفة دينيا وفدت باعداد محدودة للعراق لاسباب دينية لتلقي المعرفة في المراجع الدينية او تبوأت مراكز دينية في تلك المراجع. كما هنالك افراد أتوا فرادى او مع عائلاتهم كتجار او كزوار للمراقد الدينية واستوطنوا في المدن المقدسة كالنجف وكربلاء والكاظمية في بغداد .

وتميزت هذه الشريحة بانها كانت تمتلك الوثائق حيث أتمت معاملات التجنس الاصولية بصرف النظر عن انتمائهم للعراق او بلدانهم الاصلية التي وفدوا منها. فلا يعد هؤلاء من الشروقيين البدون والذين يتميزون بعم تيسر وثائق ثبوتية عند هجرتهم او عو عائلاتهم الاصلية للعراق , اصل بلد هجرتهم من شرق العراق من بلوشستان ولورستان والهند وباكستان الى الاهواز ثم العراق والخليج او العراق والخليج مباشرة , وضمن موجات الهجرة الاربعة المعروفة والمشار اليها. يتميزون بلباس خاص للنساء والرجال وقد تغيير تدريجيا مع الاجيال الاحقة شبيه بالباس الهندي , كما يتميزون بلهجة او لكنه خاصة مع تعلمهم العربية .

كما يتميزون بالفقر والبعد عن الثقافة والتمدن , وبانخراطهم في الزراعة ولاحقا في البناء كما يتميزون بعادات غريبة باعطاء ابنائهم اسماء مهينة مثل (مطشر) اي مبعثر و (چلوب) مصغر كلب و (سلبوح) اي دودة او استخدام اسماء التصغير على وزن فعيّل او افعيل , مثل (مچيّن) بمعنى مكان و (ولييد) بمعنى ولد او التصغير الجمعي باستخدام الالف والتاء , مثل (نفطات) اي كمية محددة من النفط . وكذلك يتميزون ببعض المظاهر العرقية التي يصفها بعض علماء الاعراق والبايولوجيا والمشار اليهم في المراجع على النحو التالي , انتمائهم للعرق الاوردي (وليس السامي العربي) حيث يتميزون بما يلي :

قصر او القامة الوسط.
السمرة الداكنة للبشرة المائلة للصفرة.
وعدم وجود إلية الرجل وتسطح القدم.
وجحوظ قليل في العين.

الا ان المظاهر العرقية هذه قد ذابت بسبب المصاهرات على مر الفترة الطويلة لوجودهم في العراق والخليج , وكذلك بسبب مزاوجة الجنود البريطانيين للكثير من النساء الشروقيات في مناطق اهوار العمارة والناصرية , اثناء حملة الجنرال مود لاحتلال العراق ابان الحرب العالمية الاولى وترك الجنود البريطانيين لزوجاتهم مع عائلاتها بعد رحيل القوات البريطانية .

وفي منتصف الاربعينيات من القرن العشرين ساعد رئيس الوزراء في الحكم الملكي صالح جبر على هجرة الكثير من هؤلاء الشروگيين الذين لايحملون اي مستندات او جنسيات او بطاقات تعريف شخصية , الى اطراف بغداد وكان اغلبية سكان هذه المناطق من المهاجرين من ارياف الجنوب لاسباب شتى اما هربا من ظلم الاقطاع او مقتا للحياة الزراعية او هربا من الثأر القبلي او هربا من العدالة .

وكان نصيب الاسد منهم في جانب الرصافة واستوطنوا ما يعرف بمنطقة خلف السدة وهي سد ترابي بارتفاع 10 - 12 متر بناها والي بغداد ناظم باشا مطلع القرن العشرين شرق بغداد حفاظا على بغداد من فيضانات نهري دجلة وديالى وذلك ابتداءً من تخوم ضاحية الاعظمية شمال بغداد وممتدةً حتى منطقة الرستمية على نهر ديالى جنوب بغداد واصبح هذا السد الخط السريع المسمى جسر محمد القاسم , في الثمانينيات من القرن العشرين .

حيث بنوا لهم البيوت البسيطة عشوائية دون موافقات اصولية , من الطين واللبن وذلك على طول السدة . وفي عهد رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم الذي منحهم الجنسية العراقية اسكنهم في مجمعات سكنية حول بغداد وحول بعض المدن الرئيسية الاخرى للعراق , وعلى حساب السكان الاصليين لبغداد وتلك المدن , حيث ادى ذلك الى تغيير البنية الديموغرافية لبغداد بتطويقها باحياء سكنية من الشروقيين حيث انشأت المجمعات السكنية من جانب الرصافة: حي الامين والفضيلية والعبيدي والشماعية والثورة والحسينية. ومن الكرخ: ابو دشير والدباش والشعلة والحرية والاسكان ودور السود وغيرها .

الشروقيون والشيعة العرب في جنوب العراق

على الرغم من انتماء الشروقيين للمذهب الشيعي الجعفري الا انه من المؤكد هنالك بون شاسع بين الشروگيين والشيعة العرب في جنوب العراق من ناحية الانحدار العرقي والاثني للتكوين الاجتماعي لكلا الشريحتين , فالتكوين الاجتماعي لسكان الجنوب العراقي قبل موجات النازحين والمهاجرين الشروقيين الاولى الى ارض العراق والخليج على عهد دولة اسماعيل الصفوي في القرن السابع عشر والهجرة الثانية في عهد المماليك منتصف القرن التاسع عشر, وقبل منحهم الجنسية وانتشارهم وتغلغلهم في بنية المجتمع العراقي بعد اعلان الجمهورية منتصف القرن العشرين , تتكون من خليط من العشائر العربية الشيعية والسنية المتحدرة من القبائل القحطانية او العدنانية , كال فرعون والعوادي والياسري والجبور- البو ثامر والدليم - البوعلوان وتميم – وسط وشرق دجلة , والسنية كأل السعدون والهاشمي والبو ظاهر.

وكان تمركز الشيعة العرب في غالبيتهم في ما اصطلح عليه الفرات الاوسط – الديوانية والحلة وكربلاء والنجف والمنتفك - الناصرية والسماوة والقرنة والبصرة والامارة (العمارة) والكوت وفي بغداد القديمة في الكرادة مع خليط من السنة والمسيحيين والكاظمية والشواكة مع خليط من السنة.

أما السنة الذين كانوا يقطنون في الجنوب فيتمركزون في الحلة – خليط من الشيعة والسنة المنتفك – الناصرية والسماوة – خليط من الشيعة والسنة , البصرة في منطقتي الزبير وابو الخصيب واجزاء من المعقل , والكوت – وهي ايضا خليط من الشيعة والسنة.

ويرجع اصل تاريخ الشيعة العرب في العراق منذ بداية الدولة الاموية ومبايعة اهل الكوفة للامام علي ابن ابي طالب ونجله الامام الحسين ابن علي ومعركة كربلاء حيث يتواجد مؤيدو الامامين من الذين شايعوهم وناصروهم.

اما العلاقة بين شيعة عرب الجنوب والشروقيين في تلك الفترة فهي علاقة السيد او الحر بالعبد والملاك او الاقطاعي بالفلاح الاجير. حيث كان الشيعة العرب يمثلون العشائر والاقطاعيات المالكة للاراضي الزراعية من الشيوخ وعوائلهم وعمومتهم وانسابهم , اما الشروقيين فيمثلون طبقة الشغيلة الفلاحية لدى شيوخ العشائر والعبيد الرق لدى الاقطاع.
ضرورات الاندماج في مجتمع المهجر العراق تعتمد الكثير من الدول الاستيطانية مبدأ الهجرة كعامل لرفد البنية الاجتماعية بالاعراق واللاثنيات المختلفة , كما هو الحال مع دول كاميركا الشمالية واميركا اللاتينية واستراليا ونيوزيلاندا وغيرها من العوالم الجديدة التي تم اكتشافها بعد عصر النهضة في اوروبا وعلى اثر بروز ظاهرة الاستعمار او مايسمى تاريخيا بالعصر الكولونيالي الذي تمثل باحتلال الاراضي والقارات الجديدة وضمها لممالك مستكشفيها , وقد استمرت موجات الهجرة لهذه الصقاع الجديدة حتى يومنا هذا ولكن بمعايير مختلفة منها شموليتها لاستقطاب المواطنين من كافة الدول تفضيلها للكوادر المثقفة والعلمية وتفضيلها للكوادر الراسمالية والاستثمارية وتفضيلها للكوادر من اعراق بعينها كالانجلو- ساكسون في الولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلاندا والاعراق اللتينية في المكسيك واميركا اللاتينية وهاييتي وارخبيل البحر الكاريبي . كما حددت القوانين في تلك الدول على مبدأ ظرورة الانتماء والولاء للبلد الجديد , الامر الذي وصل الى فرض شروط ومحددات منها عدم السفر من البلد لفترات جاوزت في بعض الدول الاربعة سنوات لحين منح الجنسية , وضرورة تأهيلهم لتطلبات الحياة في دول المهجر كانخراطهم في دورات الزامية لتعلم اللغة وفروض معينة في تعلم تاريخ بلد المهجر وارثه الوطني والثقافي ووصل الامر ببعض الدول الى ضرورة انجاز المهاجر لعمل وطني لبلد المهجر الجديد يثبت ولاءه وانتماءه لبلد المهجر الجديد, من قبيل الانخراط في الخدمة العسكرية او التطوع المؤقت في العمليات العسكرية التي تخوضها الدول محلية واقليمية او دولية , او كتابة المقالات والبحوث والمؤلفات عن البلد الجديد .

الا ان الامر مختلف مع دولة كالعراق وحتى باقي دول الخليج العربي التي تعرضت لهجرات الشروگيين والتي نجد آثارها في المجاميع السكانية المسماة (البدون) في الكويت على سبيل المثال , فالعراق وتلك الدول بلدان غير استيطانية لم يتم استكشافها من ضمن العوالم والقارات المجهولة بل تمتلك حضارة من اعرق حضارات العالم امتدت لستة آلاف عام في عمق التاريخ ولها امتدادات عربية كواحدة من الولايات والامارات العربية التي كانت تابعة للدولة العثمانية.
فعندما وفدت الهجرات الاولى للشروقيين وحتى الاعراق والديانات الاخرى في شمال العراق , لم يكن معيار الوطنية والانتماء والولاء للبلد هو الهاجس والمعيار الذي حدد شروط الهجرة ، بسبب وجود الدولة العثمانية واحتلال بلاد فارس للعراق في عهد اسماعيل الصفوي والتي زامنت الهجرات الاولى.

وفي الهجرات المتأخرة في مطلع القرن العشرين والأربعينيات ثم الستينيات والتي كانت تفد خلالها موجات من العوائل المهاجرة الشروقية عبر منافذ لها في مناطق ديزفول وقصر شيرين عن طريق البر ومن امارة المحمرة (الاحواز او الاهواز حاليا) ثم انطلقت هذه الاقوام في هجرة ثانية لاهوار العراق من الموجات التي سبق وان ارتحلت من لورستان جنوب ايران ومن ولايات شمال الهند وبلوشستان والولايات الجنوبية لافغانستان والمتاخمة لبلوشستان الواقعة في جنوب باكستان (الهند سابقا قبل استقلال باكستان) والتي تدين بالديانة الاسلامية وعلى المذهب الشيعي الجعفري .

اما امارات الخليج العربي فقد استمرت الهجرات اليها في السبعينيات من القرن العشرين الى عبر الممرات البحرية من خلال زوارق المتسللين المشهورة والتي كانت تعلن عنها وكالات الانباء عن اكتشاف يومي لتلك القوارب المهاجرة الى الكويت وقطر والبحرين والامارات العربية المتحدة وشرق المملكة العربية السعودية.

فكل تلك الهجرات لم تحدد بمعايير الانتماء الوطني والولاء للعراق او دول الخليج بقدر انكفائها على نفسها محافظة الى حد ما بثقافتها المحلية وبعاداتها وتقاليدها التي جائت بها معها.

ومن ضمن تلك الثقافات طريقة بناء البوت الطينية التي نجدها مطابقة الى حد بعيد جدا مع البيوت ومايسمى بالطوفة في شمال الهند وبلوشستان والولايات الجنوبية لافغانستان.

اما في مجال اللغة فهنالك ماسيمى في علم الصوت اللغوي بالتنغيم Intonation وهو طريقة تلحين الكلمة عند تلفظها داخل الجملة فنجد التقارب الكبير بين اللغات الهندية و البلوشية واللورية والفارسية كون هذه اللغات تنتمي الى مرجعية لغوية واحدة وعي عائلة الهندو-اوربية وهي بعيدة من حيث علم النحو والصرف والصوت من اللغة العربية التي تنتمي للعائلة السامية. ومن حيث علم الانتيمولوجي وهو علم جذر الكلمات ومصدر تحدرها نجد هنالك تداخل لبعض المفردات المستخدمة من قبل الشروقيين ذات الاصول الهندية او الايرانية (الفارسية واللورية) مثل (كواك) و (دش) و (چا), وخير دليل هو الكلمة الاستطرادية (چا cha ( بمعنى (نعم او أجل او بلا او اذاً) وهي هندية المنشأ حيث تلفظ بالهندية (آچا) بمعنى (نعم) , في حين يستخدم العراقيون العرب في بغداد كلمة رديفة وهي (لعد) والمتحدرة من الفعل (عاد) وفي الوسط والغرب وشمال الوسط يستخدم العراقيون العرب كلمة (عجل) المتحدرة من (اجل) بمعنى نعم وفي العشائر العربية في الجنوب بضمنها الفرات الاوسط والبصرة القديمة كانت تستخدم كلمة (حته) و (ولعد) المتحدرة من (حتى) بمعنى نعم او اذاً.. ثم شاع استخدام (چا) لدى عرب الجنوب بسبب الاختلاط مع الشروقيين وانتشار مصطلحاتهم وطريقة لفظهم.

وكذلك نقل اسماء المدن من مصادرها الى العراق مثل مدينة چوادر الساحلية في بلوشستان – الهندية (باكستان الان) والتي سمي بها حي سكني في قرية الثورة (مدينة الصدر الان) ولا صلة بين الچوادر وكلمة (چادر) الذي يستخدم بتغليف البضائع، وكذلك مدينة (كاولي) في الهند والتي تحدر الكثير من الوافدين الغجر منها الى العراق تلك الكلمة المستخمة الى يومنا هذا.

ومن العوامل الثقافية الوافدة الاخرى , هو فن تلك الاقوام باعتبار الفن والادب يشكلان هوية الامة وعنوان انتمائها , فبعض الاطوار الغنائية الريفية كالابوذية المحمداوي نجدها تغنى الى يومنا هذا في مدن الجوادر وكيتا وكلات واورمارا في الجزء الباكستاني من بلوشستان وحاسك في الجزء الايراني منها.

كما نجد في الادب الشروقي بعض المواويل القريبة من اللحن الهندي والفارسي الخليطة باللهجة المحلية العربية , وحسب منشأ ذلك الوافد وامتداد عرقه.

كما يستخدم الكثير من الشروقيين الات موسيقية خاصة بهم بعيدة عن الآلات العربية مقاماتها وسلمها الموسيقي ويصنعها بشكل تحاكي شكل ولحن الآلات والالحان البلوشية والورستانية.

كما ان نمط الغناء مفعم بالحزن والشكوى التي تعبر عن الارث الطويل من المعاناه ابتداءً من اضطهاد اسماعيل الصفوي الذي كان يتفنن بتعذيب وقتل معارضيه البلوش واللور حيث كان يطلق شيخ القبائل المعارضة له من المدافع .

ثم رحلة المعاناة الطويلة عبر الصحراء الايرانية التي كان يلقى الكثيرين منهم حتفه بسبب الانهاك او الجوع والعطش . وقد انعكس ذلك على اهازيجهم واشعارهم الشعبية ومواويلهم التي تحولت الى ابوذيات مغناة حيث يذكر الفنان كاظم الساهر بان اغنية (عبرت الشط على مودك) مقتبسة من احدى الاهازيج الشروقية اثناء الرحلة الشاقة الى العراق حيث تتحدث احدى المهاجرات عن معاناتها وهي تعبر احد الانهار للحاق بقبيلتها التي فقدت الكثير من افرادها بسبب موجات النهر وتياراته المميته وهي تعبر لانقاذ وليدها الرضيع الذي حملته على رأسها .

علاوة على تسخير شيوخ القبائل لهم كعبيد رق في جنوب العراق وما عانوه من اسى وظلم على اسيادهم الاقطاعيين. وهذا ما دعاهم الى الهرب من الريف الى مناطق حول بغداد والمدن الرئيسية الاخرى في تجمعات سكنية معدمة وعشوائية وغير نظامية واغلبهم استوطن في منطقة وراء السدة , المشار اليها اعلاه.

عبد الكريم قاسم والانتشارالسكاني للشروقيين

ولم يتنفس الشروقيين الصعداء الا بعد قيام الجمهورية في عهد رئيس الوزراء الاسبق عبد الكريم قاسم ذلك اليتيم الذي ينتمي الى اب عربي سني لم يره بسبب وفاته ، وأم تتحدر من الاصول الشروقية , اشرفت مع اخواله الشروقيين على تربيته . حيث اصدر قرارات منحهم الجنسية وشهادة الجنسية العراقية اضافة الى اصداره لقانون الاصلاح الزراعي الذي بموجبه صادر الاراضي من المالكين من شيوخ العشائر ومنحها للفلاحين والذين يمثل الشروقيين ثمانين بالمائة منهم . ثم مالبث ان وزع عيهم الدور والاراضي السكنية حول بغداد وباقي المدن الكبرى ومنحهم الوظائف الحكومية واصدر التشريعات الخاصة بتسهيل انخراطهم في الجيش كمراتب (جنود وضباط صف ونواب ضباط) ومنحهم الامتيازات العسكرية كالدور السكنية الخاصة بالمراتب المتطوعين في مناطق اسكان شرقي بغداد وغيرها.

وهذه تعد النقلة الكبيرة والمهمة في حياة هذه الفئة المهاجرة والتي لحد الان لم تمنح الجنسية في بعض امارات الخليج كالكويت وبقوا بما يسمى بـ البدون.

لذا تعتبر شريحة الشروقيين عبد الكريم قاسم القائد الوحيد الذي انقذها، فهم دائمي التمجيد به لحد المبالغة في المدح في وصفه الى حد اطلاق الخرافات التي كانت تنشر في الصحافة يومذاك، فبعضهم ادعى انه رأى صورة (الزعيم) على بيضة دجاجة وآخرون نشروا بانهم رأوا صورته بالمرقب متجلية على سطح القمر . وبقيت هذه الاحاجي يتداولها البسطاء من الشروقيين ممن استفادوا من حكمه وبالغ بها الاخرون منهم من المثقفين الى حد الاطراء واسناد احداث غير واقعية لسيرة رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم .

وعلى اثر هذه الاجراءات المنصفة للشروقيين والاجراءات الاخرى الخاصة بقانون الاصلاح الزراعي , وجد ابناء العشائر العربية في الجنوب انفسهم قد صودرت منهم اراضيهم الزراعية ومنحت للشروقيين الامر الذي ادى الى تحرر هذه الشريحة من تحكم الشيوخ وبالتالي منحها حرية اتخاذ القرار بالهجرة الى المناطق الاخرى او المدن بعد ان كانوا محصورين في الاراضي الزراعية والاهوار. وهذا ما ادى الى انتشارهم الواسع في جنوب العراق ريفه ومدنه باعتباهم يشكلون اعدادا كبيرة. وبدأت عاداتهم وتقاليدهم ولهجتهم تتغلغل في حياة المجتمع العراقي تدريجيا بعد العهد الجمهوري.

أزمة الشروگيـين

ان الازمة التي يعاني منها الشروگي بعدم اندماجهم الكامل في المجتمع العراقي مردها معاناتهم من الاضطهاد على مر تلك العصور فاصبح لهم تجمعاتهم التي تحولت الى مجتمع خاص ذاب فيه الشروقي من الاصل البلوشي مع الاخر من الاصل اللوري او الفارسي او الهندي , وجمعتهم ثقافة واحدة هي ثقافة المهاجر الشروقي.

الا اننا نجد بعد اجراءات عبد الكريم قاسم بمنحهم الجنسية والاراضي الزراعية والبيوت السكنية والامتيازات الاخرى شجعت بعض هذه المجموعات كشرائحة اجتماعية لها خصوصيتها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها , بالاندماج المحدود في المجتمع العراقي , فبسبب نظرة الناس لهم في سكان الجنوب من القبائل العربية (الشيعية) وخصوصا الفرات الوسط , على انهم شريحة هامشية من المهاجرين غير الشرعيين او المتسللين تميزت بفقرها وتخلفها وبعدها عن الحضارة وأنفلاتها على القانون على الرغم من انتمائها المتعصب للمذهب الشيعي. ادت هذه النظرة الى تهميش هذه الشريحة وعدم تقبل اندماجها في المجتمع في الجنوب الا بعد عقود طويلة وبعد الانفجار السكاني للشروقيين بعد منحهم الجنسية والاراضي والدور السكنية فخرجت من الاهوار وتجمعاتها السكانية المعزولة نحو مراكز المدن , وبسبب النمو السكاني الكبير لهذه الشريحة احتلت او اجتاحت المدن الكبرى في العراق بالهجرة من الريف الى بغداد ومراكز المدن .

  1. ومن خلال سياسات ارضاء هذه الشريحة التي مارستها الانظمة المتعاقبة كتحسين الحالة الاجتماعية لهذه الشريحة وتقديم الخدمات التعليمية والطبية وتحسين الخدمات العامة والبنية التحتية لاحيائهم السكنية شجع الكثير من افراد هذه الشريحة بالاندماج في المجتمع من خلال الانخراط بالتنظيمات والاحزاب الحاكمة وتبوء مناصب عليا والاهتمام بالشعر والادب والمصاهرة مع ابناء المناطق العراقية للسكان العرب الاصليين من كلا الطائقتين الشيعية والسنية بعد مرور زمن طويل على هجرة آبائهم وتناسي المجتمع لاصولهم وتعالي الصيحات بوحدة مكونات المجتمع وطوائفه واعراقه , حيث غدا من المعيب اجتماعيا البحث عن اصل وانتماء الشخص في فترة السبعينيات والثمانينيات.

  1. ورغم كل ذلك نجد ال

الثلاثاء، 18 فبراير 2014

مفاهيم ... ( 8 ) 

ماذا يجري في العراق ... ( الجزء الأول )

الدكتور حكيم العبادي

حكاية اسمها العراق :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
حين تتنقل بعينيك من الفاو حتى زاخو على خارطة العراق ... وتسبر فكرَك بخيالك ، لتتأمل تاريخ هذه المنطقة في التسعة ألاف سنة الماضية ، ماذا تكتشف ؟؟؟ ... وهل يمكنك إحصاء عدد العواصم التي نشأت على هذه الأرض ؟؟؟ ... وعدد الحضارات التي سادت ثم بادت ، لتقوم أخرى منافسة لها على أطلالها ؟؟؟ .
أور ، أوروك ، أريدو ، لكش ، نيبور ، لارسا ، بابل ، نينوى ، خرسباد ، الحضر ، نمرود ، ارابيلو ، الحيرة ، سلمان باك ، البصرة ، الكوفة، الهاشمية ، بغداد ، سامراء ، كانت جميعها عواصما ً في يوم ٍ ما ... وربما عشرات غيرها !!! .
في كل مرة تسقط فيها حضارة ... يحصل في العراق ما يحصل فيه الآن ... نفي ، وقتل ، ومذابح ، وجوع ، وتخلف ، وتمزق ، وخوف ، وتشريد .
سنين قد تطول وقد تقصر ، تهدأ بعدها الأمور ... لتنبعث إرادة الحياة والإنسان من بين الركام ، وتصنع الحياة من جديد ... فيرتقي الإنسان ... ويبدع .. ويمنح العالم عطاياه ، على شكل حرف ٍ أو عجلة ٍ أو نظام ري ٍ أو قانون ، وربما كانت هبته داراً للحكمة أو رجلا ً كالمتنبي كذلك .
هذا هو قدره ... بين صعود ٍ وهبوط ... وشروق وأفول ... كدورات الشموس والكواكب ... وفي هذا قوة ومنعة وصلابة ضد التفتت لمن يدرك !!! ... حتى صار عصيا ًعلى الموت لما فيه من عوامل التحدي والمقاومة والإحتمال ... فقد قيل : ( ما لا يميتك يزيدك قوة ) . 
لكن هل هو كذلك على صعيد الافراد ؟؟؟ .
هل العراقي الذي عاش في بغداد هارون الرشيد ، مترفا ً ، مبتهجا ً ، ميسورا ً ، حتى ضرب به المثل في الظرف والترف ... فوصفوا من يحاول تقليده في ظرفه وترفه إنه يتبغدد !!! ، ...هل هو كمن عاش في العراق منذ بداية الحصار سنة 1991 وحتى اليوم ؟؟؟ ... بالتأكيد كلا ... فالأول عاش فترة إزدهار حضارة ، بكل ما يرافقها من أمان ، ونعمة ، وانشراح ... والثاني عاش فترة نكوص حضارة ... بكل ما فيها من خوف ٍ ، وجوع ٍ ، وبؤس ٍ ، ومهانة ٍ ، ويأس .
المحارب كبير العمر ... يتمتع بخبراتٍ وتجارب كثيرة ، تحميه في المواقف التي قد تودي بحياة المستجدين من الجنود ...كذلك هي البلدان طويلة الأعمار ... الضاربة بجذورها في عمق التاريخ ... تحمل الكثير من مقومات الاستمرار ... وهي ليست كمدن الملح التي ظهرت في افريقيا في القرن التاسع عشر حين ازدهرت تجارة الملح ...و زالت بزوال اسباب قيامها . 
غير أن أعمار البشر ليست كأعمار البلدان ...فهي قصيرة نسبيا ً ...وهي في الأعم الأغلب ، أقصر من عمر الكوارث ، أو فترات التراجع ... لذلك انقسم مواطنو العراق ، على مر التأريخ ، الى قسمين رئيسيين ... أجيال سعيدة ، وافقت حياتها فترات ازدهار ونشوء الحضارات التي قامت على هذه الارض.. وأجيال بائسة ، منكودة ، سيئة الطالع ، مثلنا ، وافقت حياتها فترات التراجع والانهيار .

صفتان جغرافيتان جميلتان صنعتا تاريخا ً دمويا ً :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
رب َّ نعمة ٍ نقمة !!!! .... فنهرا العراق أولا ً ... وموقعه ثانيا ً... صفات حسنة دون ريب ... لكنها وراء كل هذا التاريخ الدموي !!! .
كانت مصادر المياه العذبة أول المغريات التي وفرتها الطبيعة لتشجيع الانسان على الاستقرار ... ولذلك كان نهرا العراق ، وسهوله الخصبة بينهما ، ومنذ فجر التاريخ ، مركزا ً لاستقطاب الهجرات التي خاضت صراعات دموية مميتة في هذه المنطقة من العالم ... ومن ميزات هذه الصراعات ، ان المنهزم لا يموت ، ولا يترك هذه الأرض الغنية مهما كانت خسائره ... ... بل يتقبل تفوق الغازي المنتصر وشروطه ظاهرياً... فينكمش في بقعة من الارض بعيدا عن الضوء ... أو يتحالف مع غيره من القبائل والاقوام التي تحميه ... أو يتفتت متفرقا ً ، و ينضوي تحت أجنحة أقوام أخرى ... لكنه يبقى يتحين الفرص للتجمع ، والإنتقام واستعادة السيطرة .
أدى ذلك ، بمرور الزمن وتوالي هذه الصراعات ، إلى ظهور شعب ذو نسيج فسيفسائي غريب من مختلف القبائل القادمة من أكثر من مكان ... تتقاسم السيطرة على مدن كثيرة ، أو مراكز للنفوذ ، تتحين واحدتها الفرص لتنال من الأخرى !!! .
أما مصيبة العراق الثانية فهي موقعه الحيوي الجميل !!! .
العراق يقع على حدود الصحراء ... يتمدد بحيوية تثير الحسد ، بين مسارين للكوارث ، تعوّد الموت سلوكهما منذ بدء التاريخ ، حتى صارا طريقه المفضل !!! .
إلى الغرب تقع الصحراء ...وقلما تمّر سنة تخلو من مجاعة !!! ... ( في القرن التاسع عشر فقط ، بلغ عدد الهجرات القبلية من السعودية الى العراق 89 هجرة بسبب الجفاف !!!! . ... حنا بطاطو – تاريخ العراق الحديث ) ... وإلى الشرق ، يمر خط الزلازل المهلك ليخترق ايران من أقصاها الى أقصاها !!! ... ناثرا ً الدمار والخراب .
أرض غنية ( لسوء حظها ) ، تقع بين قوميتين ، وعالمين ، وطبيعتين ، وواقعين ، وثقافتين ، وعنصريتين ، ومسارين مفضلين لملك الموت وتابعه الفقر ... ولاحقا ً ، فتاوى طائفتين ... وطموحين للغلبة ... صار العراق وسطا ً لصراعهما ... وحاضنة ً لتفريخهما كذلك .
والغريب أن الحظ المشؤوم لهذا البلد ، يأبى إلا ّ أن يمعن في تدميره ... ففي الوقت الذي بدأت فيه زراعة العراق بالتخلف ... ونهراه بالجفاف ... وصار ممكنا ً لشعبه ان يعيش فقيرا ً ولكن بأمان ... ظهر النفط !!!... فتجددت عوامل الصراع ... ودخل الساحة طامعون كبار ، وقوى تتحكم بمصير العالم هذه المرة ... فلو أضفت إلى كل ذلك موقعه الجغرافي الحساس ، لأصبح العراق مفتاحا ً سياسيا ً للمنطقة بكاملها .
كان من الممكن أن تصبح هذه النقطة بالذات ، مصدرا ً للقوة لا للضعف ... فتتلاحم هذه الأقوام المتعددة ، والقبائل المتنافسة ... وتلغي ما بينها من عوامل الفرقة ... وتنتمي للمكان فقط ... فيتحول إلى جنة اسمها العراق ، ولكن .

سويسرا مثلا ً :
ــــــــــــــــــــ
سويسرا ... دولة اوربية تتمتع بموقع وسط بين عدوين ... شأنها شأن العراق ... لكنها بلا موارد ... تقع وسطا ً بين المانيا وفرنسا وايطاليا ... ويتوزع مواطنوها بين اكثر من لغة ، وأكثر من طائفة ، وأكثر من قومية ... إلا أنها حافظت على حياديتها منذ عام 1515.. وتمسك الجميع بسويسريتهم وعلمانيتهم ... فصارت من افضل دول اوروبا .. واستطاعت زيوريخ أن تحافظ على كونها أفضل مدينة للعيش في العالم لثمانية سنوات متتالية 1999 _ 2008 ...هذه الدولة التي تبلغ نسبة السكان الألمان فيها 76% ، والفرنسيين 20 % ... حافظت على الحياد في حروب عالمية كبرى كان الألمان فيها طرفا ً رئيسيا ً ولأكثر من مرة . .. ولم تحصل مشكلة واحدة بين مواطن ألماني وآخر فرنسي في حروب احتلت فيها المانيا فرنسا بالكامل !!! ..ولم تظهر كلمة واحدة في إعلام سويسرا ضد احد الطرفين .
أما نحن ، وبمنتهى التخلف والغباء ، فقد تمسكنا بقانون العشيرة والطائفة ، ومن ورائهما مصالح الشرق أو الغرب ...على حساب الأرض ... وعلى حساب الحياة ... وعلى حساب مستقبل اطفالنا ... فظهر شعب ينتمي للعشيرة لا للمجتمع ، و ينتمي للطائفة لا للوطن . 
هذه الصفة الرديئة ... سهلت لدول الجوار أن تفعل فعلها في تدمير العراق كبلد ... فصارت تتنازع بـشَـد ِّ ثوب العراق الممزق ... وتتلاعب بدم أبنائه ... وببسمة أطفاله ... وبشرف حرائره !!! .
ولا أكاد أعرف بلدا ً على ظهر الأرض بكاملها ... يحيط به هذا العدد الهائل من الأعداء !!!! .

الهنود الحمر ثانية ً :
ـــــــــــــــــــــــــــ
يقول أحد أمثال الهنود الحمر القديمة :
(( We do not inherit the Earth from our ancestors, we borrow it from our children ))
نحن لم نرث الأرض من أسلافنا ... بل قمنا بإستعارتها من أطفالنا !!!!!!!!!!!!!! .
هل يفهم أغبياء وحمقى ، وزعماء عصابات الطوائف ، وشيوخ الصحراء ما معنى هذا ؟؟؟؟ .
هل يفهمون ما تحويه هذه العبارة السامية من معنىً ، و بلاغةٍ ، ووطنيةٍ ، وشرف ٍ ، وتحد ٍ ، ومبد أ ؟؟؟ .
هل كان في أجدادهم من تلفظ بشيء ٍ مشابه ؟؟؟؟ .
الإنسان ليس حرا ً في التصرف بوطنه ... الإنسان لا يملك حق بيع الوطن لمن يدفع أكثر .. ولا يملك حق تدميره ... ولا يملك حق تقسيمه ... الوطن ملك ٌ صرف ٌ لأطفالكم ... إنه وديعة تؤتمنون عليها ... ودوركم لا يتعدى حمايتها ، ونقلها من أسلافكم إلى أخلافكم ، لا تملكون حق التصرف فيها أبدا ً ... وعليكم حمايتها لتسليمها لأصحابها ... هو غير قابل للمساومة ... لا بالمال ولا بالسلطة ولا بغيرهما ... ولا قيمة لأي مقدس ٍ من دونه ... لا أن ينفذ أحدكم فيها مطامع الغريب كمن يبيع شرفه ... ويبيع عرضه ... ويبيع ضميره .
يقول السياب الكبير :
إني لأعجبُ كيف يمكن أن يخون َ الخائنون !!!
أيخون إنسان ٌ بلاده؟؟؟ . 
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟؟؟ .
العراق ليس مزرعة ً لأجدادكم لتقتلوا الحرث والنسل فيه ، وو تتنابحوا بتقسيمه !!! ... للعراق أطفاله الذين يملكونه ، كما يقول الهنود الحمر ... وله من يحافظ عليه ... وقدره أن يعود ، كما عاد عشرات المرات ، طيلة العشرة آلاف سنة من عمره الطويل !!! ... العشرة آلاف سنة التي لم يظهر فيها سياسيون قذرون هددوا بتقسيمه !!! . 
من يدعون إلى تقسيم العراق ، لا يتعدى عددهم نسبة الواحد من مليون من سكان هذا البلد ... السابقون واللاحقون ... فمن أعطاهم حق َّ التصرف بإرث وحق كل هذه الأجيال ؟؟؟؟ .
لهذا البلد مئات الأجيال القادمة من أطفاله المتصالحين ... وفيه رفات مئات الأجيال التي مضت من أجدادهم ... وفي تاريخه ألوف من العباقرة والمفكرين والحكماء والعقلاء والأشقاء والصالحين ، ممن يرفض تقسيمه . 
ثم قولوا لي كيف يمكن للطفل الذي سيكون في الغرب أن يزور أخواله في الشرق ؟؟؟ ... وكيف يمكن لمن صار زوجها في الشرق أن تزور بيت ابيها في الغرب ؟؟؟ ... وكيف ينسى ابن الموصل دماءه التي سالت في شرق البصرة ، وساقه التي بترت ودفنت هناك ؟؟؟ ... وفي أي نصف سيكون ضريح العسكريين في سامراء ؟؟؟ ... وأين سيكون ضريح الكيلاني في بغداد والزبير في البصرة ؟؟؟ .
ألا تروا معي إن الأمر لا تملكه الحكماء ؟؟؟ ... والصوت الغالب هو صوت الحمقى والأغبياء ؟؟؟؟ .

الحجي مو إلي ... الحجي للمهاويل !!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حدثني أحد الشيوخ الحكماء ، ممن كانوا مرضاي في بغداد ، قال :
حين توفي الشيخ عبد الواحد الحاج سكر ، وهو من كبار قادة ثورة العشرين في العراق ، ضد الاحتلال الانجليزي ، كما هو معلوم ... حملته وفود القبائل ، سيرا ً على الأقدام ، من بلدته المشخاب حتى مدينة النجف حيث دفن ... والطريق طويل ويقرب من 40 كيلومترا ً ... وكان الرجال كلما ساروا بضعة مئات من الامتار وضعوه على الارض وابتدؤوا يهزجون بهوساتهم . ..وفي أحد المرات وضعوه بين أبي صخير والنجف وبدأوا يهزجون ... فلما تأخروا كثيرا ً وتعبت الناس سار بعض العقلاء للشيخ صكبان آل عبادي ، بإعتباره أكبر مشايخ آل فتلة ، عشيرة الشيخ عبد الواحد ، ليكلم الناس كي يحملوا الجثمان ويتابعوا السير ، فقد تأخر الوقت وأقبل الظلام وقد عطش الناس وجاعوا وتعبوا ... فطأطأ الشيخ صكبان رأسه وقال بلهجته الفراتية : ( الحجي مو إلي ... الحجي للمهاويل !!! . ) ... ومعناها لغير العراقيين : ( الكلام المسموع صار للمهاويل وليس لي ) ... والمهوال هو الشاعر الذي يحرض الناس على القتال باهازيجه التي تسمى هوسات !!! .
حين تفلت الأمور من أيدي الحكماء تصبح بيد الصبية ، وسفلة القوم .

الطائفية :
ــــــــــــــــــــ
المصدر الصناعي في اللغة العربية ، هو الاسم الذي تلحق به ياء ٌ مشددة وتاء مربوطة ، ويحمل خصائص الاسم ... والطائفية من المصادر الصناعية ... شأنها شأن وطنية ، إنسانية ، أخلاقية ، وغيرها من المصادرالصناعية ... وهي كلمة جميلة لا تعني أكثر من وجود طائفة لها خصائصها المعينة تعيش في هذا البلد ... ومعنى كلمة طائفة هو فرقة أو جماعة : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما ) ... والمفهوم لا يحمل أي بعد ٍ غير مرغوب فيه ، إلا إذا خالطته ، و لوَّثته السياسة والمصالح و إستغباء الناس !!! .
والعراق بلد طائفي بامتياز ، لكثرة طوائفه ... ولكن ، الشعب العراقي أبعد بلدان الأرض عن الطائفية ببعدها السياسي !!! ... و جاهل ٌ تماما ً من يعتقد أن الشعب العراقي شعب ٌ طائفي .
سأتناول هنا طائفتين فقط من طوائف العراق ... هما الطائفتان الأحدث عهدا ً ... والأقل حقا ً في العراق ... والأكثر مشاكلا ً ... لكنهما الأكثر سلاحا ً والأطول لسانا ً ... فباقي الطوائف كالآشورية والسيريانية والكلدانية والصابئية واليزيدية ... الخ .. مسالمة ٌ و ودودة ، بل ومظلومة على الدوام ... وليس هناك أي أحمق يتهمها بعبث ، أو تخريب نظام ، أو إقتتال ، أو نهب ، أو محاولة لغلبة أو تقسيم . 

الشيعة والسنة :
ـــــــــــــــــــــــ
في كلمة له في القاهرة أشار رئيس الوزراء العراقي السابق ( ابراهيم الجعفري ) الى نسبة التزاوج بين العرب الشيعة والسنة في العراق فذكر انها بحدود 29% ... وأنا اعتبرها 100 % وليست 29% ... أما كيف ؟؟؟ .. فقد فات السيد الجعفري أن يوضح ثلاث حقائق تغير كثيرا ً من النسبة التي توصل إليها :
1. جاءت هذه النسبة نتيجة اختلاط السنة والشيعة في مناطق محدودة من العراق ... هي بغداد بشكل رئيسي ... وبعض المناطق المحدودة في محافظات اخرى ... إذ تخلو محافظات كثيرة من هذا الاختلاط ... ولو كان الشعب العراقي مختلطا ً بكامله ، كما هو حاصل ٌ في بغداد ، لاصبحت النسبة أضعاف هذا دون شك ... فمن اين يأتي السنة في مراكز النجف أو الديوانية أو كربلاء ، مثلا ً ، ليتزاوجوا مع الشيعة ... ومن أين نأتي بنسبة كبيرة من الشيعة في الانبار او تكريت او الموصل ليتزاوجوا مع السنة ؟؟؟؟ . 
2. النسبة تبين عدد الزيجات القائمة فعليا ً في حينها ... ولا تتحدث عن منحدر احد الزوجين ... وانا على ثقة تامة بمضاعفة النسبة لو تم شمول أبوا الزوجين بها .
3. تعداد الشيعة العرب يفوق السنة بشكل كبير ... ولهذا كانت النسبة قليلة ، ولو تقارب العددان لازدادت دون ادنى شك .
وبعيدا ً عن موضوع الزواج فالشعب العراقي ، يتكون في مجمله ، من عشائر عربية تنتمي للطائفتين معا ً... ولا يحدد هذا الانتماء إلا الموقع فقط ... فمن سكن شمال وغرب العراق من بطون هذه العشائر صار سنيا ً ... ومن سكن شرقه وجنوبه صار شيعيا ً ... وواضح ٌ تماما ً أثر التأثير الخارجي ، و نوعية المذهب السائد في دول الجوار على هذا التوزيع ... وأنا اعرف الكثير من العراقيين ، ممن غيروا طوائفهم بعد تغيير مواقع سكنهم !!! .

القتل على الأسماء في الهوية وحماقة البعض وعمالتهم :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القتل في الاسلام من الكبائر ... ولكنني لم أسمع بشيء تمارسه الطوائف التي تدعي الاسلام اكثر من القتل !!!! .
دعا أحد الصبية المعممين من أحد الأطراف بضرورة قتل المواطنين من الطرف الآخر ممن يحملون أسماءا ً بعينها ... وربما ظهر من الفريق الآخر من نادى بقتل مواطنين من الطرف الآخر بسبب أسماء غيرها ... وقد مورس هذا فعلا ً في مرحلة ٍ سابقة !!! .
لا يحتاج الأمر لذكاء ٍ كبير ، لتدركوا أن القاتل ليس عراقيا ً ... ومن يستهدف الطائفتين ليس منهما ... ومن ينادي بهذا النوع من القتل ليس بعراقي ... وهو ألد أعداء العراقيين ... وعلى الطائفتين معا ً ، التخلص منه بأي طريقة كانت ... فالعراقي لا يعرف تفرقة الاسماء ... وإليكم هذا المثال :
رئيس أول مجلس للحكم بعد السقوط ، هو عز الدين سليم ... و عز الدين سليم ، ليس سوى إسم ٍ حركي لأحد قياديي ومفكري حزب الدعوة ... وإسمه الحقيقي عبد الزهرة عثمان العبادي ... وقد استهدفته قوى بعينها في تفجير معروف وقتلوه ... ليت حمقى الطرفين يفتونني مأجورين من منهما أحق بقتله !!! ؟؟؟ . 
هذا دليل صارخ على أن العراقي لا يعرف الطائفية ... ولا يعرف التمييز ... ومن يمارسها من العراقيين ، لا يمثل إلا أجندة خارجية قذرة ... فهذا الرجل يحمل اسما ً ، هو الأكثر تميزا ً عند الشيعة ... ويحمل والده إسما ً ، لا يمثل رمزاً كبيرا ً عند السنة فقط ... بل رمزا ً خاصا ً، كان مقتله سببا ً ، في الظاهر على الأقل ... لجميع مصائب الاسلام اللاحقة !!! .
انا لا اعلم كيف صار القتل شهيا هكذا ؟؟؟ ... وكيف صار العُهرُ جهادا ؟؟؟ ... ولماذا لا يرسل شيوخ الدين الذين أفتوا بذلك بأولادهم ليفخخوا أنفسهم ؟؟؟ ... ويمارسوا توسيع الدبر لحمل المتفجرات ؟؟؟... أو يقوموا بإرسال بناتهم واخواتهم ونسائهم ليجاهدن في تمتيع المجاهدين ؟؟؟ ... ولماذا يكون الفقير ، و البسيط ، و الساذج من هذه الأمة المتخلفة ... هم وقود الطائفية ... وأولادهم من يـُقتلون ... وبناتهم من يمارسن نكاح الجهاد ... وكيف صار الحياء شيئا ً لا يعرفه أحد من مسلمي اليوم وعربانهم !!! .
(( يتبع ... ))
ملاحظات :
ـــــــــــــــــــــــ
1 . أجبرني ما يجري في العراق الآن ... وما يجري في سوريا ... وما يجري في لبنان ... وحجم المؤامرة الأعنف منذ ظهر الاسلام في هذه المنطقة ... على أن امارس واجبي ... و أتخلى عن ابتعادي عن الكتابة في هذه المواضيع ... عسى ان يكون لقولي بعض الفائدة .
2 . تخليت عن فكرة طول المقالات ، في هذا الموضوع على الأقل ... رغبة ً في أن يصل لأكبر عدد من القراء .
3. سبقت هذا المقال بحملة ، استخدمت فيها برنامجا ً خاصا ً تم فيه حذف 179 إسما ً من قائمة اصدقائي ... واكتفيت ب80 اسماً ... لذلك أكرر كما كنت أفعل دائما ً... التعليقات يجب ان تخضع للمنطق والعلم والأخلاق وامتلاك ما يقال ... الشتائم وذكر الاسماء والتهجم والتخلف واساليب الشوارع مرفوضة تماما ً .