منقول بتصرف عن كتاب ميناء مبارك (رؤية جيوستراتيجية مستقبلية )
للباحثة : إبتسام عبد الزهرة العقابي
يعد انشاء ميناء (بوبيان ) مبارك من اكبر واخطر مشاريع التنمية الكويتية في شمال الخليج العربي وهو احد خمسة مشاريع كبرى في الخطة الخمسية الكويتية . والتي تتبناها وزارة الاشغال العامة الكويتية وذلك لاسباب عديدة منها :-
1- تشكيل محور نظام نقل اقليمي في المنطقة .
2- تحويل الكويت الى مركز تجاري ومالي عالمي
3- الغاء دور العراق في تجارة الخليج العربي لضرب الاقتصاد العراقي وجعله ثانوياً .
4- سد المنافذ البحرية العراقية المطلة على الخليج العربي.
5- قطع الطريق امام التحركات الايرانية المستقبلية في احتلال منافذ الخليج الشمالية المطلة على الخليج العربي .
ويقع الميناء المزمع بناءه على جزيرة بوبيان المجاورة لجزيرة وربة . وهاتان الجزيرتان هما العقدة التي اوجدتها بريطانيا عند رسمها الحدود بين العراق والكويت لتكون مشكلة المستقبل التي بسببها سيعود النفوذ البريطاني والامريكي للاستحواذ على الخليج العربي وللتعرف اكثر على هاتان الجزيرتان.
1- جزيرة وربة:-
تقع في اقصى الشمال الغربي للخليج العربي ومساحتها 37كم2 ، وهي جزيرة رملية سواحلها من رواسب وادي الباطن ، وهي تقع مابين الطرف الشمالي لجزيرة بوبيان والساحل العراقي الجنوبي ويحيط بها خور عبد الله من جهة الجنوب الشرقي وخور بوبيان من الجنوب حيث ينتهي طرفه الغربي بقرية ام قصر الكويتية وخور بوبيان من الجنوب حيث ينتهي طرفه الغربي بقرية ام قصر التي تتجه نحو الشمال الغربي وتكون المياه عميقة عند طرفها الجنوبي الغربي الذي تميل اليه الجزيرة بأنحدار .
2- جزيرة بوبيان :-
وهي احدى الجزر المتناثرة في الخليج العربي في مواجهة السواحل الكويتية من جهة الشرق والساحل العراقي من جهة الجنوب ويفصلها عن الارض الكويتية خور الصبية الضحل والضيق وعن الاراضي العراقية جزيرة وربة وام قصر . وتعد هذه الجزيرة من اكبر الجزر المقابلة للساحل العراقي والكويتي حيث يبلغ اقصى طول لها 42 كم واقصى عرض لها حوالي 25
كم بمـساحة تبــلغ 890كم2 اي حـــوالي 5% مــن مـساحـــة الـــبلاد
وتتراوح خطوط الكنتور في سطح الجزيرة مابين 3-4 امتار وهي جزيرة مستوية ، يتكون فيها الكثير من السبخات ( المستنقعات الملحية) مما يجعل موضوع اقامة منشآت فيها صعباً جداً ، ويطغي المد عليها حتى يحتل في قمته مساحة تقدر بثلث مساحتها وتتصف بتربة عالية الملوحة بسبب ظاهرة النشع والخاصية الشعرية التي تنقل المياه المالحة الى السطح مخلفة كميات كبيرة من الاملاح في الطبقات العلوية . وعليه فأن هذه الجزيرة تحتاج الى امكانات مالية وجهود هندسية عملاقة لانشاء الميناء عليها علما ان هناك سواحل اخرى للكويت افضل حالاً من جزيرة بوبيان كان بالامكان انشاء الميناء عليها وتكاليف البناء اقل بكثير مما سيتم هدره على الجزيرة .
ويلاحظ ايضا ان المد والجزر في السهول القريبة من ساحل الخليج العربي وبالذات في منطقة رأس الخليج وسهول دجلة والفرات ، فان مياه المد تتعمق في الاخوار الداخلية مثل خور موسى وخور الزبير كما تمتد الى الجزر المنخفضة وتغطي اجزاء منها قد تصل الى الثلث في جزيرتي وربة وبوبيان ، وهذا يشير الى عدم صلاحية الجزيرة كميناء .
وتعد هاتان الجزيرتان( وربة وبوبيان) من اهم وادق المناطق التي تم مسحها ورسمها من قبل بريطانيا والدولة العثمانية بسبب اهميتها العسكرية والسياسية في القرن الثامن عشر اذ كان التنافس على اشده بينهما في راس الخليج العربي . حيث يصف الكابتن (ج.ب.بروكس ) عام 1830 خور عبد الله وجزيرتي وربة وبوبيان ومدخل شط العرب وخور شتيانة وجزر فيلكا ومسكان وصفا دقيقا محددا خطوط الطول والعرض فلكيا ويصف اعماق البحر المحيط للجزر والطرق الصالحة للملاحة وتحديدها مستخدما البوصلة ، وهذا يدلل على اهتمامهم الشديد براس الخليج العربي الذي استمر حتى عام 1897 حين بدأ الالمان في زيادة نفوذهم وتركيز اهتمامهم على جنوب العراق خاصة بعد اعلان مشروع خط سكة حديد برلين – بغداد.
الأبعاد القانونية لأنشاء ميناء مبارك
يتعارض انشاء الميناء والحق المفروض على دول المنطقة المطلة على الخليج العربي في الملاحة واستغلال الساحل . فقد اجازت اتفاقية جنيف للبحر الاقليمي والمنطقة المتاخمة لعام 1958 للدول حق اصدار القوانين والانظمة لغرض تنظيم النقل والملاحة في بحرها الاقليمي والزمت جميع السفن بوجوب مراعاتها . ونصت المادة (17) من تلك الاتفاقية على هذا الالتزام بقولها (( على السفن الاجنبية التي تمارس حق المرور البري ان تراعي القوانين والانظمة التي تسنها دولة الساحل وفقاً لهذه المواد وقواعد القانون الدولي الاخرى ، وبالذات القوانين والانظمة المتعلقة بالنقل والملاحة )) . ويعد هذا النص غامضاً في مدى حرية اعطاء الحق للدول في تحديد الطرق الملاحية في البحر الاقليمي.
ولمعالجة غموض النص اعلاه وضعت المادة ((22)) في المؤتمر الثالث للأمم المتحدة لقانون البحار ، الذي صدر عن الدورة السادسة المعقودة في نيويورك للمدة من 23آيار الى 15 تموز 1977 ، والذي جاء فيه:-
1- للدول الساحلية ان تفرض على السفن الاجنبية التي تمارس حق المرور البري عبر بحرها الاقليمي كلما اقتضت ذلك سلامة الملاحة ، واستخدام الممرات البحرية واتباع نظم تقسيم حركة المرور التي تعينها وتفرضها لتنظيم مرور السفن .
2- يجوز ان يفرض على على الناقلات والسفن التي تدار بالطاقة النووية والسفن التي تحمل مواد نووية او غيرها من المواد والمنتجات الخطيرة او السامة الطابع ان تقصر مرورها على الممرات البحرية .
3- على الدول الساحلية ان تدخل في حسبانها ، عند تعيينها للمرات البحرية وتقريرها لنظم تقسيم حركة المرور بموجب هذه المادة ، مايلي:-
- توصيات المنظمات الدولية ذات الاختصاص.
- اي ممرات مائية تكون مستخدمة عادة للملاحة الدولية.
- السمات الخاصة لبعض السفن والممرات.
- كثافة حركة المرور .
4- على الدول الساحلية ان تشير بوضوح الى حدود هذه الممرات البحرية ونظم تقسيم المرور في خرائط يؤمن لها النشر الواجب .
اما مايخص وجود الجزر فقد ترك الامر بين الدول المعنية لتحل بواسطة الاتفاق او الفصل بينها عن طريق المحاكم الدولية . ويلاحظ ان العراق كان في هذه الفترة مشغولاً بحربه مع ايران اذ تم تسوية الامر لصالح الكويت التي كانت قد نفذت ماجاء في مؤتمر الامم المتحدة عام 1982 منذ عام 1948 ، وعليه فان مقررات عام 1982 جاءت لصالح الكويت ولكي لاتتحمل تبعات تجاوزها منذ عام 1948 فيما ترك امر جزيرتا وربة وبوبيان بين العراق والكويت ليبقى النزاع مستمراً وورقة رابحة بيد البريطانيين والامريكيين لبقاء سلطتهم في المنطقة .
ويعد العراق بسبب طريقة رسم حدوده الجنوبية من الدول المقيدة في حقها في البحار وحدوده تعد ضيقة ، اذ تم ترسيم الحدود البحرية العراقية - الكويتية من قبل لجنة بتكليف من الامم المتحدة معتمدة على خطابات متبادلة بين الجانبين العراقي والكويتي عام1932 ومحضر اتفاق عام 1963 الذي نص على ان جزر ( وربة –بوبيان – مسكان – فيلكا – عوهة – كبر – قارورة – ام المرادم) تتبع الكويت وان الحدود القائمة في هذا القطاع تقع في خور عبد الله . وقد تم اعتماد ادلة تاريخية تعود للمستعمرين لمنطقة الخليج بدءاً من تقرير رسمي اصدره كوشيرون –آموت الهيروغرافي النرويجي عام 1959 الذي حدد خط وسط للحدود في خور عبد الله مع خريطة رسمية ورسم بياني مستقل ، كما استعانت اللجنة في انتقاء خط الاساس والتحقق من ادنى انحسار للمياه ( Low Spring Water ) بواسطة الرسومات البيانية الخاصة بالادميرالية البريطانية . ويستدل من هذا على ان ترسيم الحدود قام على اساس استعماري مبرمج مستقبلي هدفه الغاء دور العراق في الخليج العربي وجعل الكويت تشعر بالتهديد المستمر من قبل العراق وهو مالاتدركه الدول الخليجية فهذا الترسيم للحدود لايأتي لصالح الكويت ولالصالح العراق انما لصالح المستعمر نفسه الذي رسم تلك الحدود .
القرارات الخاصة بترسيم الحدود البحرية :-
تبدأ عملية ترسيم الحدود البحرية العراقية – الكويتية بداً من المنطقة البحرية لخور الزبير الى الطرف الشرقي لخور عبد الله .
1- اعتمدت اللجنة الرسم البياني رقم 1235 للادميرالية البريطانية لتحديد خط الوسط في خور عبد الله.
2- اعتمدت اللجنة نقطة محددة على خط الوسط حيث ان مدخل خور عبد الله من عرض البحر يقع في مكان يحدث فيه تغيير هام في اتجاه الخطوط الساحلية للدولتين .
3- تم اعتماد مجموعة احداثيات تحسب خط الاساس لها ادنى انحسار للمياه مبين في عام 1991 من الرسم البياني رقم 1235 للادميرالية البريطانية .
4- المنفذ الملاحي ممكن للدولتين ( العراقية –الكويتية ) عن طريق خور الزبير وخور شتيانة وخور عبد الله الى جميع الاقاليم المتاخمة لحدودهما .
5- الحق في الملاحة منصوص عليه بموجب قواعد القانون الدولي المثبتة في اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحر 1982 والتي جاءت لصالح الكويت مستغلة انشغال العراق في حربه مع ايران .
6- قررت لجنة الامم المتحدة ان تمر الحدود البحرية في نقطة انحسار المياه في جزيرة وربة تاركة خور الزبير بأكمله للعراق وهذا تحفظت عليه الكويت حيث سجلت اعتراضاً فنياً على اللجنة .
7- اعترض العراق على ترسيم الحدود البحرية حيث اعتبر ان اللجنة لاتملك الصلاحية في ترسيم الحدود باعتمادها مواثيق تاريخية تعود لها في فترة الاحتلال . وكان الرد على هذا الاعتراض بان الحدود البحرية هي جزء من حدود اي دولة وسيادتها ، وفي 20/5/1993 رفعت لجنة الامم المتحدة تقريرها النهائي الى الامين العام للامم المتحدة وبدوره قام برفع رسالة الى مجلس الامن الذي انعقد في 27 من عام 1993 واصدر القرار المرقم ( 833) حيث عد هذا التخطيط نهائياً يحترم فيه حق المرور البحري.
لقد جعل اصدار هذا القرارمن العراق دولة شبه مغلقة عديمة السواحل ، وان استكمال بناء وانشاء ميناء مبارك على جزيرة بوبيان سوف يلغي العراق نهائياً على الخليج العربي مما يجعل الكويت في مواجهة ايران وبالتالي ستبدأ مشكلة اخرى ، لانتوقع ان تستطيع حلها جميع دول الخليج العربي مجتمعة ان واجهتهم ايران واعلنت حقها في الخليج العربي بالكامل برجوعها الى المواثيق التاريخية نفسها التي لجأت اليها الكويت خاصة ونحن نعلم ان تسمية الخليج العربي لانطلقها على هذا البحر الا نحن الدول العربية فهو معروف عالمياً بالخليج الفارسي . وبالتالي هل ستلجأ دول الخليج العربي الى العراق مرة اخرى ليحميها من ايران كما فعلت في المرة الاولى ابان حرب عام 1980 ؟ .
الابعاد السياسية لانشاء ميناء مبارك
ان مشكلة الحدود المفتعلة بين الكويت والعراق هي السند الرسمي الذي يلجأ اليه البريطانيون والامريكيين في الاستحواذ على راس الخليج العربي من خلال :-
1- شل حركة التجارة العراقية من جهة الجنوب من خلال غلق المنافذ البحرية العراقية من جهة الكويت وايران باللجوء الى الاحتكام الدولي .
2- دفع التجارة العراقية نحو تركيا والشمال والترويج مجدداً لخط برلين بغداد .
3- جعل العراق معبراً للتجارة من الخليج العربي عن طريق ميناء مبارك نحو البصرة – بغداد – اسطنبول – بلغراد – برلين .
4- جعل المواجهة المستقبلية بين ايران من جهة ودول الخليج العربي المتمثلة ب(الكويت – السعودية – قطر – البحرين – الامارات – عمان) من جهة اخرى بعد الغاء دور العراق في الخليج ، وبالتالي فان اي صراع مستقبلي سينشأ لن يكون للعراق دور فيه وستكون دول الخليج لوحدها ، خاصة وان ايران شبه مسيطرة على المعبر الوحيد للخليج العربي وهو مضيق هرمز .
لقد عدت مشكلة الحدود العراقية الكويتية سبباً رئيسياً في استقرار الامن للمنطقة والعالم وهذا جاء في اعتراف الامين العام للامم المتحدة بعد انتهاء لجنة تخطيط الحدود من اعمالها في 30/ايار/1993 حيث قال (( بان الامم المتحدة قامت لأول مرة في تاريخها بترسيم الحدود بين دولتين عضوين في المنظمة الدولية وذلك حفاظاً على السلم والامن الدوليين وبناء على قرار مجلس الامن (687) لعام 1991)) .
ولاهمية هذا الموضوع فان مجلس الامن اصدر خلال ثلاث سنوات من 1991 الى عام 1993 ثلاث قرارات مهمة وحاسمة في موضوع الحدود العراقية – الكويتية هدفها المعلن حماية الامن الاقليمي في منطقة الخليج العربي . بينما ماحدث هو افتعال اكبر ازمة اقليمية في منطقة الخليج العربي وجعل الصراع المستقبلي صراع حضارات متمثلة بالحضارة الفارسية – والحضارة العربية .
ومن اجل وضع خط لعودة التدخل الرسمي في منطقة الخليج العربي تم اضافة القرار (833) لعام 1993 في الفقرة السادسة يمكن دول الاحتلال الرئيسية المباشرة البريطانية والامريكية من اللجوء الى استخدام القوة او اتخاذ اية تدابير اخرى يجدها ضرورية وفقاً لميثاق الامم المتحدة الذي لايطبق الا على العراق في حال انتهاك الحدود او التشكيك في اعمال اللجنة التي رسمت الحدود العراقية الكويتية بناء على مواثيق الاحتلال التاريخية .
وعليه ومن اجل ان تستمر الازمة في الخليج تم الايحاء لدولة الكويت ببناء ميناء مبارك الذي يعد بالنسبة لهم ورقة الخلاص من العراق كونه قد تم تقييده بالقرارات اعلاه . الا ان بناء الميناء هو مجرد استفزاز للعراق لاتخاذ اجراءات بالمقابل تعزز من الدور الكويتي في المنطقة وتعطي الحق لدول الاحتلال في استخدام القوة عن طريق استقدام قوات السلام الدولي وقوات الاحتلال في المنطقة الواقعة بين العراق والكويت وتحديداً على طول الحدود العراقية – الكويتية وسد المنفذ البحري في ام قصر كأجراء رادع للعراق وبالتالي السيطرة المباشرة على جنوب العراق والسيطرة الدائمية على راس الخليج العربي ومن ثم التحكم بالكويت والعراق وايران في هذه النقطة الحيوية من الخليج العربي .
ان اسباب انشاء ميناء مبارك الكويتي ليس الهدف المباشر منه اقتصادياً كما هو معلن اذ انها ستنستنزف من الاموال اضعاف مضاعفة في انشاء الميناء لو انها قد اختارت الساحل الطويل المفتوح المقابل لجزيرة فيلكة ، انما الهدف الغير المباشر منه :-
1- استغلال الظروف الداخلية للعراق الذي يعاني من تقويض القوة العسكرية العراقية التي سببت الخوف والشعور الدائم بالتهديد من جهة دول الخليج في المنطقة بسبب الانشغال بالاحداث الداخلية ، فالعراق خرج من حرب الثمان سنوات مع ايران وهو يحوي ( 55 فرقة عام 1988 مقابل 10 فرق عام 1980 – مليون جندي مدرب تدريباً جيداً – 500 طائرة ، 5500 دبابة ( اكثر مما تملكه الولايات المتحدة والمانيا مجتمعتين) . وهذا كان دافعاص لدول الخليج العربي ان تشعر بالتخوف والتهديد مما دفعها الى ان تستغل الوضع المالي للعراق الذي كان يملك احتياطياً من الدولارات يبلغ 30 مليار دولار ولكن بعد ثمان سنوات من الحرب تجاوزت ديون العراق 100 مليار دولار . وكانت هذه النقطة التي تم استغلالها للضغط على العراق ودفعه الى اتخاذ قرارات متهورة طائشة ، حققت الهدف والغاية التي رسمتها دول الغرب ونفذتها دول الخليج ، فلم يخطر ببال الدول العربية ان العراق الدرع الواقي للعرب من الجانب الايراني ، سوف يهدد الامن العربي او هكذا تم الايحاء لهم .
ففي ظهر الثاني عشر من شباط استقبل صدام حسين المبعوث الاميركي جون كيلي الذي قال لصدام (( انتم قوة اعتدال في المنطقة وتتمنى الولايات المتحدة اقامة اوثق العلاقات مع العراق )) ولم تمض ثلاثة ايام على المقابلة حتى بث صوت اميركا في برامجه الموجهة الى العالم العربي ليوم 15 شباط برنامجا اذاعيا قال مقدمه انه يعكس وجهة النظر للحكومة الاميركية وتضمن الدعوة الى الراي العام للتحرك ضد الدكتاتوريات في العالم ، واحتل صدام حسين موقعاً متميزاً في اللائحة وتم تقديمه على انه الاسوأ بين الطغاة على وجه الارض ، تبعه في 21 شباط نشر وزارة الخارجية الامريكية تقرير تجاوز 12 صفحة عن حقوق الانسان خص العراق وصف فيه الحكومة العراقية بأنها الاكثر سوءاً في مجال خرق حقوق الانسان وممارستها التعذيب والاعدامات السريعة دون محاكمة.
ان هذه الازدواجية في التصرفات الامريكية هي اسلوب استراتيجي تكتيكي الهدف منه دفع العدو الى الشعور بالارتياح واتخاذ تدابير في غير صالحه تستخدم ضده مستقبلاً بعد الايحاء له بان الحكومة الامريكية تغض النظر عن تصرفاته لانه الحليف الاقوى لها في المنطقة فيلجأ صدام بذلك الى التهديد والوعيد لجيرانه من الدول العربية .
وبالمقابل تنشر الحكومة الامريكية اعلامياً وجهة نظر الاعلام والعامة وجهات اخرى متنفذة في الدولة رأيها الصريح في الحكومة الامريكية والهدف منها هو اشعار الجانب العربي والخليجي خاصة من ان الحكومة العراقية هي التهديد الرئيسي لدول الخليج بعد ايران . مما دفع الدول الخليجية وخاصة الكويت الى ان تتخذ الاجراء الاسهل والاسرع لها بزيادة انتاجها النفطي مخالفة الاتفاقات المعقودة في اطار منظمة الاوبيك ، مستخدمة الابار النفطية الواقعة في المنطقة الحدودية المتنازع عليها مع العراق ، وادت هذه الزيادة الى خسارة 90% من واردات العراق على النفط وحوالي 7 مليارات دولار سنوياً .
لقد كانت اسباب التغيير واضحة في المواقف الامريكية والكويتية مع العراق بعد انتهاء حرب الثمان سنوات مع ايران ، وقد حققت الولايات المتحدة الامريكية اهدافها جميعها من خلال التحكم بمجريات الامور في الخليج العربي عن طريق الاعلام الذي لعب الدور الكبير في السيطرة على توجيه الاحداث لصالح الولايات المتحدة في كل الظروف التي احاطت بالمواقف العربية –العربية والمواقف العالمية – العربية . ولم يكن العراق والكويت وايران سوى اللعبة التي كانت تديرها الولايات المتحدة في المنطقة ، فهي توجه بأزدواجية مواقفها مع كل من العراق والكويت وايران وهذه الدول تنفذ .
لقد تم التوجيه الامريكي للكويت بزيادة انتاجه النفطي توجيهاً ستراتيجياً ، الهدف منه دفع العراق الى ان يبحث عن خيارات تخرجه من ازمته ، وبالتالي فان هذا الخيار وهو الخيار الاقوى والمحتمل والوحيد هو الكويت فالعراق بحاجة الى منفذ على الخليج العربي الذي تحاول الكويت ان تغلقه في وجهه، وبالتالي فإن تحركات العقلية التي يحملها صدام كانت مدروسة جيداً بحيث انهم كانوا يدفعونه الى التحرك بناءً على مايتم تطبيقه على ارض الواقع للاطاحة به ، وكسر جبروته في المنطقة .
لقد كان للعراق ثلاث مشكلات مع الكويت تمثلت :-
1- مشكلة الخلافات الحدودية مع الكويت خاصة حقل الرميلة الجنوبية الواقع في المنطقة المتنازع غليها .
2- تأجير جزيرتي وربة وبوبيان من الكويت لتأمين منفذ بحري على الخليج.
3- تسوية مشكلة الديون المتراكمة على العراق خلال حربه مع ايران .
هذه المشكلات الثلاثة استغلتها الكويت لا عن طريق المناقشة والتوصل الى حل بل الى تأجيج الموقف من خلال :-
1- استغلال النفط في حقل الرميلة الجنوبي طوال الحرب مع ايران .
2- عدم السماح للعراق بتأجير او استغلال جزيرتي وربة وبوبيان.
3- اغراق السوق بالنفط والتسبب بخسائر مالية للجانبين الكويت والعراق فضلاً عن ديون العراق المتراكمة بعد انتهاء الحرب العراقية – الايرانية .
ان اسباب الازمة واضحة للغاية ، فالكويت مقابل التنازل بتطبيق المخططات الاستعمارية في المنطقة ،ستنال الحضوة ببقاء تلك الدولة القزمية وبقاء العائلة الحاكمة قرونا على رأسها . فلندن ظلت ولقرن من الزمان تعتبر الخليج ارضاً بريطانية خالصة على الامراء الذين ولتهم واعطتهم السيادة على تلك الارض ان يدينون لها بالولاء المطلق . وان امتلاك بريطانيا الخليج يتيح لها بهذا مراقبة الممر البحري بأتجاه المحيط الهندي والمحيط الهادي والشرق الاقصى . وبهذا فهي تحاول مع وليدتها امريكا ان تحول دون ظهور اية قوة اخرى في المنطقة تنافسها ، فقد زرعت دبلوماسيتها ومهارتها التكتيكية بذور ازمة الخليج لتكون المرجع الدائم لحل هذه الازمة التي لا ولن تنتهي .
الابعادالاقتصادية لانشاء ميناء مبارك
ان اقتصاد العراق والحركة التجارية الخارجية ( تصدير واستيراد) ولشتى انواع السلع والبضائع العامة منها النفط والغاز تمر عبر ستة موانيء تتمتع بممرات مائية ملاحية عميقة تربطها بالعالم الخارجي وهذه الموانيء هي :
1- الموانيء التجارية :
- ميناء البصرة( المعقل)
- ميناء ام قصر
- ميناء خور الزبير
2- الموانيء النفطية :
- ميناء الفاو
- ميناء خور العمية
- ميناء البكر
وفي حال اكتمال ميناء مبارك فان اغلب السفن التجارية ستتجه الى ميناء مبارك ليكون هو الطريق المستقبلي للسوق العراقية اي ان العراق سيستلم البضائع التجارية من هذا الميناء ليتم تسويقها داخليا ، وبالمقابل فان البضائع العراقية ستتجه نحو الميناء ايضا ليتم شحنها من الميناء . وقد يتسائل القاريء : ماذا عن بقية الموانيء العراقية التي لاتتعارض مع ميناء مبارك ؟ والجواب هو اذا مالاحظنا ان مينائي العمية والبكر يقعان في منطقة الحدود الغير آمنة مع ايران وفي مركز التوتر المستقبلي (شط العرب ) الذي ستشهد السنوات القادمة ظهور مشكلة الحدود العراقية الايرانية التي يكون مركزها في شط العرب النهر الذي يتير سيره عبر السنين ويتحرك بأتجاه ايران ليصبح داخل حدود ان لم يتم ترصيف هذا النهر وايقاف الحت والبناء الطبيعي للنهر . وقد اشار اكثر الجغرافيين الى ان المنفذ البحري للعراق على الخليج العربي ضيق جدا وهو منفذ محدود بالمقارنة مع مساحة العراق حيث لاتزيد اتساع الواجهة البحرية للعراق على الخليج العربي على 19 كم2.
لقد شكل العراق والكويت وحتى الحرب العالمية الاولى جزءاً من الامبراطورية العثمانية ، وفي الحقيقة ، كانت الكويت بمساحتها الضئيلة تابعة لولاية البصرة ، ولم تكد الاشاعات تتوسع في اوربا حول الحرب القادمة عام 1913 حتى سارعت بريطانيا لتوقيع اتفاقاً مع الاتراك يجعل الكويت ولاية مستقلة ، وفي خضم الحرب ، عندما كان الاتراك يحاربون الى جانب الالمان ، اعترفت بريطانيا بحدود الكويت وبأستقلال الامارة الكويتية التام عن الدولة العثمانية.
ان بداية المشكلة كانت في سلخ ولاية صغيرة لاتمتلك مقومات الدولة القوية واعطاءها هوية مستقلة كدولة من خلال اتباع خط التقسيم الذي منح بريطانيا حليفاً ومركز استراتيجي في المنطقة ، وكان لابد للعراق ان يرفض المشروع بشدة اذ وجد نفسه محروماً من اي منفذ على الخليج .
ان ميناء مبارك سيسد منافذ السفن المتجهة الى ميناء الزبير ، وبالتالي فان الموانيء الثلاثة المتبقية ستكون تحت التهديد الايراني ، وفي حال قطع الطريق على العراق في المنافذ البحرية الجنوبية سيكون على العراق ان ينقل نفطه عبر خطوط الانابيب الغير امنة ايضاً . وهي خطوط قديمة تمثل مجموعة انابيب نقل الحوض الشمالي عبر ميناء طرابلس 1934 وعند ميناء بانياس السوري 1952 وميناء ديورنيل التركي على ساحل البحر المتوسط .
بالقرب من الاسكندرونة حيث تبلغ طاقته 25 مليون طن سنوياً ، بالاضافة الى ميناء العقبة الاردني كظهير لتجارة العراق الخارجية ومنفذ رئيسي لتجارة العراق على البحر ، وقد قدرت التجارة العراقية عبر مرفأ العقبة الاردني 70% من مجمل تجارته عام 1988 . فضلا عن خط الشمال –الجنوب الاستراتيجي الممتد من منطقة حديثة على خط كركوك – البحر المتوسط ثم حديثة – الرميلة- الفاو .
وبسبب احداث عام 1991 وبعد عامان من خروج العراق من حرب دامت 8 سنوات ومنهك اقتصادياً وبسبب الاتفاق الكويتي الاميركي لجر العراق للاعتداء واجتياح الكويت ، تم اتخاذ عدة قرارات اصدرتها الامم المتحدة مقصودة لتدمير الاقتصاد العراقي بشكل جذري ينعكس سلباً على الشعب بأكمله وليس الحكومة فالسلطة في العراق واتباعها ومقربيها لم يتأثروا بتلك القرارات مطلقاً بل كان التأثير المباشر هو على الشعب العراقي وهو مايستمر الان رغم عدم وجود السلطة التي حاربتها الكويت سابقاً . فما السر في بقاء العداء وتدمير العراق رغم تبدل السلطة ؟
وللتوثيق فأن القرارات الغير مبررة والتي تنال من اقتصاد العراق والتي اصدرتها الامم المتحدة هي :-
- القرار (662) المؤرخ في 6/8/1990 الخاص بحظر التجارة مع العراق .
- القرار(665) في 25/8/1990 الذي يمنح الولايات المتحدة والقوات البحرية الاخرى صلاحية تطبيق الحظر الاقتصادي على العراق .
وقد شرع العراق ومن اجل رفع الاقتصاد وتحسين المستوى المعيشي للسكان ولاطفاء الديون المترتبة عليه الى اعلان مشروع انشاء ميناء الفاو الكبير . الذي وضع في نيسان من عام 2010 الحجر الاساس له ويحوي هذا الميناء :
1- رصيف للحاويات بطول 39000م ، ورصيف اخر طوله 2000م.
2- ساحة للحاويات تبلغ مساحتها اكثر من مليون م2 . وساحة اخرى متعددة الاغراض بمساحة 600 الف م2 .
3- تبلغ الطاقة الاستيعابية للميناء 99 مليون طن سنوياً .
4- تبلغ الكلفة الاجمالية لانشائه اربعة مليارات و400 مليون يورو .
5- ستتم المباشرة فيه مطلع عام 2012على مرحلتين ، كل مرحلة تستغرق عامين .
6- سيتم ربط الميناء برياً بطرق سكك الحديد بكل من تركيا – اوربا ليكون بديلاً عن قناة السويس للميزات من ناحية الوقت والكلفة .
ان انشاء ميناء مبارك جاء بعد سنة من اعلان العراق انشاء ميناء الفاو الكبير الذي كان ولايزال مجرد اعلان ولم يتم العمل به ، والمعلوم ان ميناء الفاو لايضر بالمصالح الاقتصادية للكويت ولايمس قرار ترسيم الحدود المرقم ( 833) والصادر في 27/آذار / 1993 الذي نص على عدم انتهاك الحدود الثنائية بين الكويت والعراق بما في ذلك الحدود الملاحية . ولايقطع طريق السفن الكويتية او السفن القادمة للموانيء الكويتية ، وان هذا المشروع سيحقق منفعة اقتصادية للبلدين . الا ان انشاء ميناء مبارك الذي يبعد مسافة 20 كم عن ميناء الفاو ، وعلى العكس من انشاء ميناء الفاو سيعمل على :-
1- جعل الممر المائي العراقي ضمن الميناء الكويتي ، وذلك لان الميناء يصل الى الحدود المائية التي رسمها القرار 833 . وذلك يعد انتهاكاً لبنود القرار .
2- ان هذا الميناء سيقلل من اهمية الموانيء العراقية ويقيد الملاحة البحرية في قناة خور عبد الله المؤدية الى مينائي ام قصر والزبير ، ويجعل مشروع ميناء الفاو الكبير عديم القيمة .
3- سيمتد الساحل الكويتي بانشاء الميناء الى مسافة 500كم ، بينما يحصر الساحل العراقي في 50كم .
4- سيحول ميناء مبارك مدينة البصرة الى مدينة اشباح والمحافظات الجنوبية ستعاني الغلاء والفقر اذ ان اطلالة الميناء على المياه الاقليمية العراقية لن يترك امام ميناء ام قصر الاممراً لايتجاوز 1000م فقط .
5- ان الميناء سيدفع العراق الى ايجاد الخطة البديلة عن انشاء ميناء الفاو الكبير والتي سيتم توجيه العراق اليها قسرياً والمتمثلة بأعادة احياء خطوط الانابيب التي تمر عبر الاردن وتركيا والسعودية وهي خطوط ينعدم توفر الامان في ايصالها النفط الى دول العالم وذلك لمرورها في مناطق متوترة .
لقد لوحظ في تصريحات المسؤولين الكويتين وفي كل مناسبة يتم التحدث فيها عن ميناء مبارك ، انهم يربطون انشاء هذا الميناء بميناء الفاو ، والملاحظ ايضاً ان ميناء الفاو سبق اعلانه بسنة عن ميناء مبارك وليس هناك من رابط بينهما سوى ان ميناء مبارك يخرق نص القرار 833 بينما ميناء الفاو لايتعرض الى الكويت ولا الى حدودها ورغم ذلك لانجد من يرى الامر بمنضار المؤامرة المبيتة لاسقاط العراق اقتصادياً وابقاءه تحت خط الفقر وتجويع الشعب باستمرار واذلاله الى ابعد الحدود والتهرب من الاجابة عن السؤال التالي :
اذا كان صدام قد غزا الكويت وهددها باستمرار ، فقد تم الاقتصاص منه وذهب دون رجعة وتغير النظام والحكم ونال الشعب مانال سابقا وحاليا جراء عصابات التكفير والقتل التي تم تجنيدها من الخارج لاسترداد ديون افعال نبوخذنصر وصدام ، فلماذا الاصرار من الكويت على تدمير اقتصاد العراق وتجويع الشعب واذلاله ؟ هل مازال صدام فيهم ؟ هل الجيش العراقي يقف اليوم على اطراف الكويت كما فعل في السابق ؟ هل له من القدرة العسكرية والتكنلوجية مايفوق تسلح درع الخليج والكويت ؟ ام اضحت الكويت كبش الفداء لعدو يعمل في الخفاء لاستفزاز العراق مرة ثانية